Page 191 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 191
189 الملف الثقـافي
وبلغ مسعاه هذا إلى تحديد جمل في قراءة هذا الكتاب. ومن ثم ،فإن شحرور خرج
تكاد أن تكون مستقلة داخل وبما أن شحرور انطلق من بقراءته عن إطار المألوف في
الآيات. النص ،واعتمد مسل ًكا دلاليًّا قراءات الأسلاف ،وعن المألوف
هذا الإجراء المنهجي جعل لقراءته ،فقد اهتدى بما أقرته في قراءات التراثيين من أبناء
زمنه وزمننا الذين انطلقوا من
شحرور يمارس قراءته للقرآن اللسانيات المعاصرة عن المقولات التي نقضها شحرور
على مستويين هما المستوى مفهوم النص :مقطع مكتوب أو
شفوي ،بغض النظر عن طوله، وبيناها في مواضعها من
الرأسي ،والمستوى الأفقي .أما ويشكل ك ًّل متماس ًكا له مغزى حديثنا هذا ،وأسس لفقه مختلف
المستوى الرأسي فقد تمثل في ووظيفة .ووظف هذا المفهوم
تمييز النصوص والآيات والجمل يؤسس فيه لنفي التمييز بين
بحيث تكون متعاضدة للنهوض اللساني في تحديد مفهوم الرجل والمرأة ،ونفي الاستعلاء،
وصفي للنص القرآني يجعله
بوظيفة دلالية ،وهذا ما عرف ونفي مقولات الجبر والاتكال،
في تراث التفسير والتأويل مختل ًفا عن بقية النصوص ونفي استعلاء المسلم على غير
بأن نصوص القرآن يعاضد بفرادة تماسكه ،وكيفية هذا المسلم ،ونفي الخيرية القائمة
التماسك .فهو نص مركب من
بعضها بع ًضا .أو ما يعرف الآن عدة نصوص متداخلة في إطار على الوعد وهي غير مقرونة
بالتناص. السورة الواحدة التي تشكل ن ًّصا بالعمل ،ونفي الغيبيات والتفريق
واح ًدا في إطار السور المتعددة.
القراءة على هذا المستوى لا فالمعنى يتعدد في بنائه بتعدد بين الغيب والغيبيات ،وإذكاء
تهتم بغير العناصر اللغوية مثل النصوص المتداخلة في إطار مقام العقل ،وحرية التفكير.
كل ما حول النص من سياقات السورة الواحدة (قصة الخلق، هذه القراءة الشحرورية ،كما
التاريخ وأسباب النزول وغيرها. قصص الأنبياء ،أفعال الرسول، أسست لفقه مختلف ،وأغضبت
ويمكن أن نقول إن هذه القراءة أفعال الصحابة ،أخبار القرون التراثيين ،أغضبت الحداثيين
لا تسقط أو تلغي هذه السياقات، الماضية) ،ويرتد إلى بؤرة لأنها انطلقت من أصل مرجعي
ولكن تحولها إلى عناصر لغوية دلالية واحدة في إطار السور
المتعددة هي بؤرة التوحيد. ثابت له أسسه العقائدية
بحيث تبدو منت ًجا دلاليًّا من وتعدد النصوص في إطار والتاريخية .هذا الأصل هو
منتجات النص القرآني .ذلك النص المنزل بالوحي على قلب
لأن اللغة حينما تغادر نظامها السورة الواحدة ،ودخول النبي عليه الصلاة والسلام .فهم
لتدخل في نظام النص ،لا تبقى السورة الواحدة في إطار السور يرفضون انطلاق المعرفة من أية
أداة ناقلة ،ولكنها تصبح ذا ًتا المتعددة هيأ لشحرور أن يفرز أصول مرجعية سابقة ويهدمون
مبدعة لما تقول .وكذلك تكون مبدأ المرجعية على اعتبار
هي الأصل لكل ما تم الإخبار هذا التداخل بين النصوص زعمهم بموت الإله ،وأن هذا
بها عنه .وهكذا يبدو النص في إطار ما سماه بالتمييز، الكون تسيره قوانينه الحاكمة
ليس بوصفه مع ًطى تاريخيًّا أو الذي جعله يحدد نصو ًصا له ولا يخضع لقوانين خارجه
نات ًجا ثقافيًّا ينتمي إلى الماضي، مستقلة تمثل موضوعات يسهل عن الوجود والوعي .وعلى هذا
ولكن بوصفه فاع ًل آنيًّا يؤسس تصنيفها ،وفعل ذلك داخل هذه الأساس ،فهم ينكرون الألوهية،
للتاريخ ويؤثر فيه ،ويصنع النصوص ،فوصل إلى آيات تكاد وينكرون النبوة وما أتت به من
الثقافة ويتجاوزها إلى أصل قائم هي الأخرى أن تكون مستقلة، كتب ورسالات .لذلك رفضوا
فيه ،غائب عن الثقافة ،أي لم تقله شحرور ورفضوا مسعاه العلمي