Page 190 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 190

‫العـدد ‪21‬‬                                   ‫‪188‬‬

                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                                ‫والأحكام المتعلقة بعلاقة‬
                                                                              ‫الإنسان بالإنسان‪ ،‬وعلاقة‬
     ‫والقرآن‪ ،‬كما فرضت عليه‬             ‫وبمواقف مختلفة‪ ،‬ولغايات‬               ‫الإنسان بالنظم الاجتماعية‬
 ‫الاختيار بين دلالات متعارضة‬           ‫مختلفة‪ .‬ومن ثم يجوز لنا أن‬           ‫والسياسية‪ ،‬وعلاقة الماضي‬
 ‫للدال اللغوي الواحد مثل‪ :‬رتل‪.‬‬        ‫نقول إن قراءة شحرور تدخل‬              ‫بالحاضر‪ ،‬أعني علاقة الخلف‬
 ‫وأفضى به هذا المدخل الدلالي‬
                                          ‫في سياق علم اسمه «علم‬                              ‫بالسلف‪.‬‬
    ‫إلى أساسين منهجيين هما‪:‬‬            ‫القراءة»‪ ،‬وهو علم ذو ميراث‬         ‫ومن المنطقي‪ ،‬أن تتغير القواعد‬
 ‫التمييز والتصنيف‪ ،‬أديا به إلى‬         ‫عظيم ابتداء من القرن الثاني‬        ‫المعرفية‪ ،‬والمناهج العلمية‪ ،‬وأن‬
                                     ‫الهجري (مجاز القرآن ومعاني‬           ‫تتغير النظم الاجتماعية‪ ،‬في ظل‬
    ‫اعتبار كل ما تضمنه «اللوح‬           ‫القرآن) حتى شحرور‪ .‬وقد‬            ‫التفاعل القوي بين الأمم القوية‪،‬‬
   ‫المحفوظ» قرآ ًنا‪ ،‬واعتبار كل‬      ‫تضمنت قراءته ‪-‬بالإضافة إلى‬            ‫والأمم المستضعفة‪ .‬في ضوء‬
  ‫ما تضمنته «أم الكتاب» كتا ًبا‪،‬‬      ‫الفقه في الدين‪« -‬العلم باللغة‪،‬‬
   ‫وأن القرآن والكتاب معا هما‬        ‫والعلم بالأدب‪ ،‬والعلم بالخطاب‬            ‫هذا التطور والتغير‪ ،‬لم يعد‬
   ‫«المصحف» الذي بين أيدينا‬                                                ‫للإنسان العربي أو المسلم إلا‬
‫باد ًئا بالفاتحة ومختو ًما بالناس‪.‬‬        ‫وأجناسه‪ ،‬والعلم بالنص‬            ‫أن يتمسك بزاد معرفي منحدر‬
 ‫والكتاب والقرآن يمثلان دعائم‬            ‫ومكوناته»‪ ،‬وسلكت مسل ًكا‬            ‫إليه من شجرة الأسلاف‪ ،‬أو‬
  ‫الوجود البشري على الأرض‪.‬‬                                                 ‫أن ينسلخ عن تراثه وينهل من‬
  ‫فالقرآن كتاب الوجود المادي‬                     ‫لسانيًا وأسلوبيًّا‪.‬‬        ‫معارف الأمم القوية في زمنه‬
   ‫والكوني أو الكتاب المسطور‬        ‫بدأ شحرور من النص ذاته‪ ،‬ولم‬            ‫الحاضر‪ .‬وكلا المسلكين خطر‬
                                     ‫يبدأ مما حوله‪ ،‬وبدأ باللغة التي‬         ‫عليه وعلى وجوده وعقيدته‪.‬‬
     ‫الدال على الكتاب المنظور‪،‬‬      ‫صاغها النص‪ ،‬ولم يبدأ من اللغة‬         ‫لذلك كله رأى شحرور أن يكون‬
  ‫والكتاب هو الرسالة الإنسانية‬                                              ‫«النص المنزل» أساس رؤيته‬
   ‫للبشر دون استثناء‪ .‬وبما أن‬          ‫بوصفها إر ًثا جماعيًّا‪ ،‬أي أنه‬
‫القرآن والكتاب من مصدر علوي‬           ‫رفض مؤسسة اللغة‪ ،‬ورفض‬                    ‫الجديدة التي اعتمدت على‬
                                                                            ‫معارف جديدة لغوية وعلمية‬
    ‫واحد‪ ،‬فالقرآن تدعيم للنبوة‬          ‫إرضاء الجمهور من القراء‪،‬‬
‫وتصديق لها وللرسالة التي أتت‬          ‫وأعلن صراحة في صدر كتابه‬                ‫وفلسفية‪ ،‬ليؤسس لمعرفة‬
                                    ‫أنه «يستميح القاريء عذ ًرا لأني‬           ‫تتناسب مع منطق العصر‪،‬‬
  ‫بها لكل البشر منذ البعثة حتى‬        ‫سأطلب إليه التريث في الحكم‬          ‫وتمنع الإنسان العربي والمسلم‬
                ‫قيام الساعة‪.‬‬                                                   ‫من خطر الجمود‪ ،‬وتعطيه‬
                                       ‫عل َّي قبل أن يمضي معي في‬           ‫القدرة على الاندماج في حياته‬
      ‫وعلى هذا التصنيف‪ ،‬رأى‬         ‫رحلة الكتاب‪ ،‬وألا يتسرع –بحكم‬            ‫المعاصرة على أسس عقدية‬
     ‫شحرور أن القرآن بصفته‬                                                     ‫سليمة‪ ،‬وأسس عقلية غير‬
    ‫كتاب الوجود‪ ،‬يتضمن كتبًا‬          ‫بعض مسلماته الموروثة– إلى‬             ‫مفارقة لمنطق العلم والمعرفة‬
  ‫لا حصر لها‪ ،‬وهو بذلك دعوة‬              ‫نبذ كتابي قبل الصبر على‬
 ‫للعلم والبحث العلمي أو القراءة‬                                                             ‫في زمنه‪.‬‬
  ‫المتجددة في كل حقبة حسب‬           ‫صحبته‪ ،‬لأنه سيجد فيه احترا ًما‬        ‫فشحرور مارس القراءة النصية‬
 ‫تطور المعارف والعلوم‪ .‬والأمر‬            ‫شدي ًدا وإكبا ًرا عظي ًما لعقله‬  ‫على أسس مفارقة للأسس التي‬
   ‫نفسه في الرسالة‪ ،‬فهي كتب‬
‫كثيرة‪ ،‬وهي حنيفية‪ ،‬بمعنى أنها‬         ‫وفكره‪ ،‬وإن فقد في كتابنا هذا‬          ‫اعتمد عليها أسلافه‪ .‬فكلاهما‬
   ‫ليست حدية ولا متجمدة‪ ،‬بل‬              ‫الاحترام والإكبار نفسيهما‬         ‫قاريء للنص بأدوات مختلفة‪،‬‬
  ‫قابلة للاستجابة لمتغيرات كل‬                         ‫لعواطفه»‪.‬‬
                                        ‫وقد فرضت لغة النص على‬
                 ‫المجتمعات‪.‬‬             ‫شحرور البحث عن الفوارق‬

                                       ‫الدلالية بين مفردات محورية‬
                                     ‫مثل‪ :‬التلاوة والقراءة‪ ،‬والكتاب‪،‬‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195