Page 194 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 194

‫العـدد ‪21‬‬                               ‫‪192‬‬

                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                        ‫على ضرورة تأويله لأن حمله‬
                                                                     ‫على الظاهر محال‪ .‬فالمحكم عند‬
  ‫من الخطابات الثلاثة المبثوثة‬       ‫بها الفقهاء‪ .‬فكأن شحرور بذلك‬    ‫شحرور هو الخطاب الأول الذي‬
   ‫في الكتاب المنزل‪ .‬ولا يمكن‬         ‫قد استبعد نصو ًصا عديدة من‬      ‫يحمل على الظاهر‪ ،‬وما هو غير‬
‫إقامة دليل من هذه الأدلة إلا عبر‬     ‫مجموع نصوص الكتاب المنزل‬        ‫محكم ولا متشابه يمثل الخطاب‬
 ‫اللغة التي تعد وسي ًطا رام ًزا أو‬                                   ‫الثاني المختلف عليه بين تأويله‬
  ‫كاش ًفا أو محاي ًدا‪ .‬فأي خطاب‬         ‫لحرصه على اللغة البرهانية‬
  ‫من هذه الخطابات يمثل جز ًءا‬            ‫المنتجة للمعرفة البرهانية‪.‬‬    ‫أو عدم تأويله‪ .‬والمتشابه هو‬
‫من كلمات الله التي كانت مكنونة‬          ‫إن الاعتداد بالعقل والتجربة‬  ‫الذي يمثل الخطاب الذي لا مفر‬
    ‫في اللوح المحفوظ بوصفها‬          ‫وحدهما لا ينبغي أن يؤدي إلى‬     ‫من تأويله لأن حمله على الظاهر‬
‫حقائق وقوانين للكون والوجود‬         ‫إهمال القلب والوجدان والكشف‬      ‫محال‪ .‬وهذا الخطاب الأخير هو‬
                                     ‫والإشراق‪ ،‬وقد حرص الخطاب‬
       ‫والإنسان‪ ،‬ثم جعلها الله‬       ‫القرآني في مواضع كثيرة على‬         ‫الخطاب الذي اتسم بطبيعته‬
 ‫متاحة للناس عبر اللغة أي عبر‬         ‫تزكية القلب والوجدان وارتقاء‬    ‫المجازية وبسببه وقع الخلاف‬
 ‫الإنزال الذي جعل هذه الحقائق‬          ‫الذوق وتزكية الحواس‪« .‬أفلم‬
‫والقوانين لغة مقروءة ومحفوظة‬             ‫يسيروا في الأرض فتكون‬                        ‫في التأويل‪.‬‬
                                      ‫لهم قلوب يعقلون بها أو آذان‬    ‫وإذا كانت مستويات التأويل كما‬
   ‫ومسموعة هي اللغة العربية‪.‬‬            ‫يسمعون بها‪ .‬فإنها لا تعمى‬
 ‫وحينما صارت لغة‪ ،‬دار حولها‬             ‫الأبصار ولكن تعمى القلوب‬       ‫بينها شحرور مرتبطة بأنواع‬
 ‫الفهم والشرح والتأويل حسب‬           ‫التي في الصدور» (الحج‪،)46 :‬‬         ‫الخطابات أو النصوص في‬
                                         ‫لذا فإن شحرور في سعيه‬
    ‫ما هو متاح من العلم باللغة‬      ‫لتأسيس مشروع للنهضة‪ ،‬أسقط‬         ‫الكتاب المنزل‪ ،‬فإن هذا الكتاب‬
       ‫وبعلوم الزمن ومعارفه‪.‬‬          ‫من حساباته المعرفة الكشفية‬         ‫قد ضم كل هذه االخطابات‬
                                         ‫وأسقط تراثها‪ ،‬كما ترصد‬
‫ولذلك اتخذ التأويل عند شحرور‬         ‫للمعرفة الجدلية قرينة الخطاب‬     ‫التي خاطب بها كل الناس على‬
   ‫مسارات تبدأ من اللغة لتصل‬         ‫الجدلي في إطار سعيه لتأسيس‬         ‫اختلاف معارفهم ومواقعهم‪،‬‬
    ‫إلى العالم المادي الطبيعي‪،‬‬          ‫فقه جديد على نحو ما قدم‪.‬‬
                                       ‫وللتأويل عند شحرور ثوابت‬              ‫مراعيًا ضرورة التباين‬
‫وإلى العالم الاجتماعي‪ ،‬أو فلنقل‬       ‫لا يتخطاها‪ ،‬مثله في ذلك مثل‬    ‫والاختلاف‪ ،‬استجابة لاختلافهم‬
    ‫إلى حقائق الوجود وحقائق‬             ‫كل تراث التأويل الإسلامي‪،‬‬
                                         ‫عند المعتزلة أو المتصوفة‬       ‫في شئون الحياة والمجتمع‪،‬‬
  ‫الاجتماع‪ ،‬ثم تنتهي إلى منهج‬          ‫أو الفلاسفة‪ .‬وعلى رأس هذه‬        ‫واختلاف مصالحهم‪ ،‬وبذلك‬
  ‫يقبل التطور في عالم الوجود‪،‬‬            ‫الثوابت‪ ،‬الله ثم الوجود ثم‬   ‫تكون هذه الخطابات التي تمثل‬
‫والتغير في عالم الاجتماع بحيث‬          ‫العالم الآخر بما يتضمنه من‬     ‫الشريعة غير معزولة عن حياة‬
                                      ‫بعث ونشور وحساب ومصير‬              ‫الناس قي كل زمان ومكان‪.‬‬
    ‫تظل آلية التأويل آلية دائمة‬       ‫إلى الجنة أو النار‪ .‬وتمثل هذه‬   ‫ولكن شحرور في تأويله راعى‬
     ‫متطورة ومتغيرة استجابة‬           ‫الثوابت مرجعيات يقينية ثابتة‬      ‫بكل وضوح المعرفة العقلية‬
    ‫للواقع الاجتماعي من جهة‪،‬‬          ‫يقوم عليها الدليل البرهاني أو‬     ‫أو البرهانية العلمية‪ ،‬وترصد‬
    ‫وقدرة المؤول على استكناه‬           ‫الجدلي أو الخطابي المستمد‬        ‫المعرفة الخطابية‪ ،‬والمعرفة‬
    ‫أسرار النص من جهة ثانية‪.‬‬                                             ‫الجدلية‪ .‬فالمعرفة الخطابية‬
‫فمسار التأويل إذن عند شحرور‬                                            ‫تتبدى في اللغة الخطابية التي‬
‫يتراوح بين النص وعالم الوجود‬                                           ‫ترضى عامة الناس‪ .‬والمعرفة‬

         ‫والاجتماع عبر اللغة‪.‬‬                                               ‫الجدلية تتبدى في اللغة‬
      ‫ويختلف هذا المسار عند‬                                           ‫الحجاجية الجدلية التي يشتغل‬
‫شحرور عن غيره من المتصوفة‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199