Page 199 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 199
197 ثقافات وفنون
حـوار
الممنوع دخولها كباقي الغرف. حوار : علمني أبي أن أطلق البخور
“المفتاح” أي ًضا ذكرني بغرفة صالون حتى يختفي أثاث الحجرة
رشا حسني
ذهبي جميلة كانت ببيت خالتي في فأسكن أماكن جديدة
حي شبرا ،كانت تلك الغرفة مليئة أهم جزء في حجرة جدتي كان لكن..
بالألعاب والأشياء البديعة من لوحات “الطاقة” ،وهو تجويف في الحائط
وتماثيل ..دخول تلك الغرفة كان أعواد البخور لم تعد كافية.
أي ًضا مغامرة وفرجة على أشياء يحمل رفو ًفا خشبية تضع عليها لا يلحظ القاريء العلاقة
كثيرة واقتناص لصيد “مشاهدة” تلك جدتي أشياءها الشخصية وخصو ًصا
المباشرة بين الصور المنقولة
الأشياء. “النشوق” ،الذي كان يسمح آنذاك من فيلم التحريك وبين
لا أنكر أن هناك أشياء كثيرة قد منعت لكبار السن من النساء بتدخينه
وأغلقت عل َّي في تلك المرحلة ،وكونت النصوص الشعرية في ديوان
باعتباره علا ًجا ..ولا أنسي مشهد “مشنقة في فيلم كارتون” لكن
تلك المشاعر والصور بداخلي روح تدخين النشوق ،وكيف شحذ ذاكرتي ذلك لم يمنع من الانتظار لست
المقاومة والصيد والإصرار على سنوات حتى تم المزج بينهما
البصرية .كانت جدتي تضع في
الوصول إلى كل ما هو ممنوع ولكن “الطاقة” علبة حلاوة طحينية من في كتاب واحد.
بطريقتي ،كذلك في الكتابة كنت منذ الصفيح اللامع ،كثي ًرا ما تسبب أول حجرة في حياتي هي تجمع
البداية مؤمنة بضرورة وضع الصورة غطاءها الحاد في جرحي أكثر من بين حجرات عديدة ،لكنها تبدو فيما
بجوار الكتابة ،وكان الأمر صعبًا لكني مرة ،فقد كنت أتسلل إلى الحجرة تصنعه من أثر وكأنها حجرة واحدة،
لم أتردد في تكرار المحاولات .كان لأفتح علبة الحلاوة وآخذ منها قطعة يمكن أن أطلق عليها “الحجرات
حلمي أن يكون ديواني الأول مرسو ًما أو اثنتين سري ًعا لأني كنت أحب المغلقة” ،وهي إما حجرات مقفولة
على هيئة سيناريو يوازي القصائد الحلاوة ج ًّدا ،وكنت أريد ان آكلها فع ًل أو ممنوعة .أفضل وأغنى
المكتوبة ،لكن بعد محاولات مع عدد بنهم ،ولا أكتفي بما تعطيه لنا جدتي، ذكرياتي قبل التحاقي بالمدرسة
خاصة أن الحلويات لم تكن متوافرة كانت هناك ما بين الجدتين :جدتي
من الفنانين فشلت لصعوبة رسم في ذلك الوقت إلا عبر دكان وحيد لأمي وجدتي لأبي ،حيث كنا نقضي
قصيدة النثر ،وربما أي ًضا لإصراري إجازة الصيف عادة .كانت أولى
أن يخرج الديوان تما ًما كما تصورته،؛ “دكان عبد اللاه”. تلك الحجرات حجرة جدتي لوالدتي
كثي ًرا ما تم ضبطي وتوبيخي بسبب “تفيدة” ،التي كانت تسكن في قرية
لذا تأخر طبعه لست سنوات في نقضي فيها جز ًءا كبي ًرا من شهور
انتظار الرسم .صحيح أن ذلك عطلني ذلك ،ورغم الجروح الكثيرة في الصيف ،أتذكر تما ًما شكل الحجرة
أطراف أصابعي كنت سعيدة ج ًّدا بطلاء حوائطها الأخضر الداكن ،ربما
لكني كنت منشغلة ج ًّدا بهذا الحلم كأني في معركة ..كنت أجد سعادتي بسبب الإضاءة الخافتة للمبة الجاز،
الذي أؤمن فيه بموازاة الصورة في التغلب على الأشياء الممنوعة. وسريرها النحاسي العالي ذو العمدان
من الحجرات الأخرى الممنوعة حجرة السوداء الذي كنت أحب الجلوس
للنص ،رغم أن الصور لا تؤثر بشكل “راوية” زوجة خالي ،وقد كانت
مباشر في كتابة نصوصي؛ لأني عادة أحدث عروس بالمنزل ..كانت موظفة عليه.
تخرج للعمل على غير عادة أهل البيت، البيت كان يضم أس ًرا عديدة وكان
أكتب أو ًل ثم أبحث عن الفن المكمل وتغلق حجرتها بالمفتاح ،كنت أنتظر مسمو ًحا لي أن ألعب أنا وأخوتي
للكتابة. عودتها لأشاهد غرفة تلك العروس وأولاد أخوالي الاستغماية في كل
لا أنكر أن المنع والإغلاق يخلق لنا الحجرات ،إلا هذه الحجرة ،فهي
طري ًقا جدي ًدا ..اتجاه فني ما بداخلنا حجرة شبه مقدسة.
ربما يعمق ما نفكر فيه ،لكنه لا يغير
ما نؤمن به.