Page 203 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 203

‫‪201‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حـوار‬

   ‫ألعا ًبا لها علاقة بالمياه ومنها رش‬   ‫حاولت أن يكون للديوان روح واحدة‪.‬‬      ‫ولا بمشاهد الفيلم التي تدور في قرية‬
‫أكياس المياه على بعضنا وكنا نعاقب‬        ‫ومن الأشياء الشيقة أن النحت بالسلك‬       ‫مصرية‪ ..‬مشهد وحيد فقط أثر بي‬
‫أحيا ًنا‪ ،‬لكن الحادثة الأفظع أننا وجدنا‬  ‫لا يحتوى على مواد لاصقة‪ ،‬وإنما هو‬
 ‫حقنًا ملقاة على الأرض بجوار إحدى‬                                               ‫وأعاد تكوين أشياء أحاول استعادتها‬
                                            ‫شيء أحادي‪ ،‬خط واحد في الفراغ‬        ‫مرة أخرى‪ ،‬عندما حاول البطل يحيى‬
   ‫المستشفيات وأخذنا نملأها بالماء‬       ‫ينشأ عنه هذا التكوين الكبير‪ ،‬وهذا ما‬
 ‫ونرش بعضنا البعض‪ ،‬والنتيجة أننا‬                                                 ‫شاهين أن يطعم “راقية” قطعة من‬
‫كلنا مرضنا وبقينا في منزلنا أسبو ًعا‬       ‫جعلني أشعر بأن قصائدي في ذلك‬        ‫الجبن القريش في فمها‪ ،‬هذا النوع من‬
                                         ‫الديوان تحتوي أي ًضا على تلك الروح‪.‬‬    ‫الجبن الذي كانت تكرهه وترفض أن‬
      ‫ونال كل منا عقابه من أسرته‪.‬‬                                               ‫تأكله في بيت أهلها‪ ،‬لكنها سرعان ما‬
     ‫أثرت ف َّي تلك الحادثة كثي ًرا لان‬         ‫أجذب القمر من السماء‬           ‫أكلته من يد حبيبها‪ ،‬وشعرت أنه كان‬
   ‫المرح كان رائ ًعا لكن مالاقيناه من‬        ‫كأني آخذه من رف دولابي‬
    ‫أسى بسبب خطأ لم نتعمده كان‬                                                   ‫حلو المذاق ثم حاولت أن تستسيغه‬
    ‫أي ًضا كبي ًرا‪ ..‬من الأشياء المحببة‬                       ‫الصغير‬             ‫وهي بمفردها لكنها لم تجده جمي ًل‬
  ‫لنفسي أي ًضا في تلك الفترة وقوفي‬            ‫أضرب عليه طبلة بيضاء‬
  ‫بين زميلاتي لإلقاء الشعر وطريقة‬            ‫لترقص الأسماك في المياه‬                       ‫كما كان من يد حبيبها‪.‬‬
  ‫تفاعلهم معه رغم عدم فهمهم التام‬                                                  ‫كنت في سن صغيرة في الصف‬
  ‫له‪ ،‬كانوا يصفقون بحرارة تبهجني‬                               ‫الزرقاء‬              ‫الثاني الإعدادي لكن هذ المشهد‬
  ‫لإحساسي بالتأثير فيهم‪ .‬أحسست‬                      ‫هنا ستغار النجوم‬                ‫البسيط أثر بي كثي ًرا لدرجة أني‬
‫آنذاك أن الشعر له دور مؤثر‪ ،‬صحيح‬          ‫فتنزل للرقص في تلك الزرقة‬             ‫جلست لآكل الجبن‪ ،‬الذي لا أحبه أنا‬
  ‫أن هذا الدور خفت شيئًا فشيئًا في‬                                               ‫أي ًضا بطريقة راقية‪ ،‬وكل فترة أعيد‬
 ‫الواقع‪ ،‬لكني فكرت في أدوار أخرى‬                              ‫الواسعة‬           ‫التجربة مع نفسي لأستسيغه بنفس‬
     ‫تدعم تواجد الشعر بالتفاعل مع‬          ‫“بيننا سمكة” إضافة نوعية‬            ‫روح البطلة‪ ،‬حتى صار الجبن القريش‬

                  ‫الفنون الأخرى‪.‬‬              ‫أكدت اتساع وتنوع عالم‬                            ‫أكلة مفضلة عندي‪.‬‬
  ‫في حجرة الطباشير أي ًضا مارست‬             ‫صاحبته التخييلي وتطوره‬             ‫الحقيقة أنني كنت أتمنى في مراهقتي‬
 ‫خلال عملي بالتدريس بعض الأفكار‬           ‫من ديوان لآخر؛ فأحيا ًنا تأتي‬        ‫من يغير طعم شيء ويبدل محبته في‬
‫المجنونة‪ ..‬من بينها تقمص كل طالبة‬          ‫النصوص في إطار المغامرة‬
                                         ‫واللعب وأحيا ًنا يصبح الشعر‬                                     ‫قلبي‪..‬‬
     ‫طوال الحصة لدور دمية تحبها‪.‬‬                                                    ‫هذا ما يفعله الفن؛ الفن يؤثر في‬
‫وكان تأثير ذلك رائ ًعا خاصة أن اللغة‬          ‫مشرو ًعا متكام ًل لا يخرج‬        ‫تكوين الإنسان وحياته عندما ينبع من‬
 ‫العربية لم تكن من المواد المحبوبة‪.‬‬        ‫للنور إلا بعد دراسة وبحث‪.‬‬           ‫قلبه أو يلامس منطقة تخصه بمفرده‪.‬‬
                                                                                   ‫وهذا ما حدث معي عندما حاولت‬
    ‫كنت دائ ًما أحاول أن أنجح بطرق‬             ‫الحجرة السادسة هي “حجرة‬            ‫تطويع فن النحت بالسلك‪ ،‬ليوازي‬
  ‫مختلفة غير اعتيادية؛ لذا فكرت في‬           ‫الطباشير” أو الحجرة المدرسية‪،‬‬        ‫نصوصي الشعرية في “يوم آخر‬
  ‫أدب الفتيان لأن هذا السن مهم ج ًّدا‬    ‫وكان لها علاقة طويلة بحياتي‪ ،‬خلال‬         ‫من النعيم”‪ ،‬وأخذ ذلك مني زمنا‬
                                            ‫فترة الدراسة‪ ،‬وكذلك حينما عملت‬       ‫لأستسيغه وأجربه عشرات المرات‪،‬‬
    ‫لغرس حب تلقي الشعر وكتابته‪،‬‬              ‫معلمة للغة العربية لعدة سنوات‪،‬‬       ‫حتى تذوقته بطعم آخر وأحسست‬
    ‫ولإيماني بضرورة إيجاد جمهور‬           ‫وكانت لي ذكريات كثيرة مع الحجرة‬       ‫أن فن النحت بالسلك قد خلق شعر ًّيا‬
    ‫جديد لقصيدة النثر خاصة؛ لأنها‬                                                 ‫للقصائد‪ ،‬ورغم أن الديوان احتوى‬
   ‫هي التي ستغير في مفهوم الخيال‬                ‫المدرسية كونتني وأثرت بي‪.‬‬       ‫أعما ًل لفنانين مختلفين‪ ،‬في مقدمتهم‬
                                              ‫أهم هذه الأشياء يخص علاقتي‬            ‫الفنان الكبير جلال جمعة‪ ،‬لكني‬
         ‫المناسب لجيل هذا العصر‪.‬‬             ‫بأصدقائي‪ ،‬التي كانت مبنية على‬
                                              ‫اللعب والشعر‪ ،‬كنت دائ ًما أصنع‬
                                              ‫ألعا ًبا جماعية سواء كانت ألعاب‬
                                             ‫مفيدة أو شريرة‪ .‬كنا نلعب كثي ًرا‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208