Page 192 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 192

‫العـدد ‪21‬‬                               ‫‪190‬‬

                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                            ‫الثقافة بعد ولم تفكر فيه‪.‬‬
                                                                       ‫أما المستوى الأفقي‪ ،‬فيتمثل‬
   ‫نصوص ع َّدها من النصوص‬          ‫توجهه العلمي والفكري في بناء‬        ‫في تسمية القرآن نفسه بأم‬
    ‫التي لا ينطبق عليها وصف‬       ‫أسس لنهضة المجتمعات العربية‬         ‫الكتاب‪ ،‬بمعنى أنه يمثل ن ًّصا‬
   ‫المحكم ولا وصف المتشابه‪.‬‬       ‫والإسلامية‪ ،‬وذلك بعد أن صنف‬       ‫واح ًدا تتداخل فيه آياته وسوره‬
                                  ‫النص المنزل إلى نصين كبيرين‪:‬‬        ‫في إطار ناظم دلالي أكبر هو‬
      ‫فبعد «أم الكتاب» (الآيات‬
   ‫المحكمات) –كما يقول‪ -‬هناك‬           ‫القرآن والرسالة‪ .‬ورأى أن‬                        ‫التوحيد‪.‬‬
‫كتابان‪ :‬الكتاب المتشابه (القرآن)‬  ‫القرآن هو المجال الأكبر للتأويل‬      ‫ومن ثم فإن النص هو مدار‬
‫وكتاب آخر لا محكم ولا متشابه‬      ‫لما ورد في نصوصه من الآيات‬           ‫عملية التأويل عند شحرور‪.‬‬
 ‫وهو «تفصيل الكتاب»‪ ،‬ثم يصل‬                                            ‫وأساس التأويل هو المجاز‬
    ‫إلى قوله «ما نستخلصه من‬                        ‫المتشابهات‪.‬‬         ‫الذي يحتمل أكثر من دلالة‪.‬‬
  ‫القول في (تفصيل الكتاب) أن‬          ‫وإذا كان أساس التأويل هو‬        ‫ولا يقع التأويل إلا في جانب‬
                                      ‫المجاز الذي بدونه لا حاجة‬        ‫من نصوص الكتاب المنزل‪،‬‬
    ‫هناك سو ًرا في الكتاب كلها‬     ‫للتأويل‪ ،‬فإن شحرور لم يلتفت‬         ‫أعني القرآن‪ ،‬وهي المعروفة‬
  ‫قرآن‪ ،‬وسو ًرا في الكتاب فيها‬      ‫لظاهرة المجاز في لغة القرآن‪،‬‬       ‫باسم «المتشابه»‪ .‬وقد فطن‬
   ‫قرآن وأم الكتب م ًعا‪ ،‬وسو ًرا‬     ‫مع أنه التفت إلى وظيفة اللغة‬    ‫شحرور إلى ذلك بحكم النص‬
                                  ‫التأثيرية عن طريق التخييل‪ ،‬وأنه‬   ‫«هو الذي أنزل عليك الكتاب منه‬
          ‫فيها أم الكتاب فقط»‪.‬‬       ‫أثناء تفسيره لإعجاز القرآن‪،‬‬       ‫آيات محكمات هن أم الكتاب‬
     ‫فالنصوص متداخلة‪ ،‬وعلى‬          ‫تحدث كثي ًرا عن سحر الكلام‪.‬‬     ‫وأخر متشابهات‪( »..‬آل عمران‪:‬‬
  ‫المؤول فرزها وتصنيفها على‬       ‫وما سحر الكلام إلا المجاز الذي‬      ‫‪ ،)7‬وبحكم تراث التأويل عند‬
    ‫أساس معلوم‪ .‬ولا يمكن أن‬           ‫وصف بأنه السحر الحلال‪.‬‬        ‫المعتزلة‪ ،‬والأشاعرة من جانب‪،‬‬
 ‫يكون هذا الأساس إلا الصياغة‬         ‫واكتفى شحرور بالبحث عن‬        ‫والمتصوفة والفلاسفة من جانب‬
      ‫اللغوية التي تسمح بتعدد‬        ‫التخريجات اللغوية القريبة أو‬   ‫آخر‪ .‬ولا يصح التأويل إلا على‬
     ‫المعنى‪ ،‬واختلاف النتائج‪.‬‬     ‫البعيدة التي تؤيد توجهه العلمي‬      ‫أساسين هما‪ :‬المتعارف عليه‬
   ‫ومادامت النصوص المحكمة‬         ‫والفكري‪ .‬وغض بصره عن تراث‬          ‫من الدلالات أو ما عرف باسم‬
 ‫نصو ًصا لا تحتمل تعدد المعنى‬     ‫المعتزلة في التأويل المعتمد على‬   ‫المواضعة أو الاتفاق‪ ،‬والمجاز‪.‬‬
   ‫ولا اختلاف الرؤى باختلاف‬                                         ‫فالمواضعة هي الأساس الحاكم‬
                                                ‫المجاز تحدي ًدا‪.‬‬   ‫بين الجماعة اللغوية في استعمال‬
       ‫المؤولين‪ ،‬نظ ًرا لوضوح‬           ‫ولوعيه بضرورة التأويل‬           ‫اللغة‪ ،‬والمجاز هو الصيغة‬
 ‫صياغتها وتحديد دلالاتها‪ ،‬فإن‬     ‫بوصفه قراءة محتملة للنصوص‬           ‫اللغوية التي تسبب الغموض‬
                                       ‫المتشابهة‪ ،‬وبوصفه إقرا ًرا‬     ‫الدلالي الذي يستدعي الشرح‬
     ‫النصوص المتشابهة تتسم‬          ‫بالتعدد في الرؤى‪ ،‬والاختلاف‬      ‫والتفسير والتأويل‪ .‬ومع وعي‬
   ‫بطبيعتها المجازية التي تقبل‬                                       ‫شحرور بهذه القسمة النصية‬
  ‫تعدد المعاني واختلاف الرؤى‬               ‫في المكانة الاجتماعية‬        ‫الواضحة وبتاريخها‪ ،‬فإنه‬
                                     ‫والسياسية‪ ،‬فقد أقر شحرور‬       ‫اعتمد التأويل أداة للوصول إلى‬
     ‫لدى المؤولين‪ .‬لذا حين لم‬      ‫بمستويات التأويل حين صنف‬          ‫استنتاجات عقلية جديدة تؤيد‬
 ‫يلتفت شحرور إلى هذه الطبيعة‬
                                      ‫نصوص الكتاب المنزل إلى‬
      ‫المجازية بوصفها أسا ًسا‬      ‫محكم ومتشابه‪ ،‬وإلى نصوص‬
   ‫فاص ًل‪ ،‬اتجه إلى توضيح ما‬
 ‫يقصده بالمتشابه والمحكم كما‬         ‫هنا أو هناك تدخل في القرآن‬
 ‫يراه هو‪« :‬فإذا كان هناك سورة‬         ‫وهي محكمة‪ ،‬وتدحل في أم‬
   ‫كلها من أم الكتاب‪ ،‬أي أن كل‬        ‫الكتاب وهي متشابهة‪ ،‬وإلى‬
‫آياتها محكمات‪ ،‬فتصبح السورة‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197