Page 159 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 159

‫حول العالم ‪1 5 7‬‬

      ‫سريرتنا‪ .‬وهذا واحد من‬           ‫للخليعين‪ .‬وهناك أي ًضا آيزن‪.‬‬        ‫اختفوا بعصا سحرية‪ .‬ولو أنه‬
 ‫الأشياء الجيدة المتعلقة بالحياة‬    ‫تقول آيزن‪« :‬كتب التاريخ مليئة‬         ‫في حقيقة الأمر‪ ،‬لم يكن هناك‬
                                   ‫بالأكاذيب‪ .‬إنسي ما يدعيه هؤلاء‬
  ‫في مركب‪ .‬في مرحلة ما على‬          ‫الأساتذة أصحاب الذقون‪ ،‬فهذه‬              ‫سحر‪ ،‬ومع ذلك كان هناك‬
    ‫المركب أثناء الرحلة يحدث‬                                               ‫العديد من العص ّي السحرية‪.‬‬
                                      ‫المدينة لا تزال طفلة»‪ .‬وتتابع‬       ‫فقد شيطنت الصحافة السكان‬
 ‫تقارب بين الركاب‪ .‬فإذا أبحرت‬        ‫آيزن حديثها وهي ترفع ذقنها‬            ‫السابقين على فترات طويلة‪،‬‬
   ‫السفينة‪ ،‬أبحرنا جمي ًعا‪ .‬وإذا‬                                          ‫ونازعتهم البلدية‪ ،‬ونددت بهن‬
          ‫غرقت غرقنا جميًعا‪.‬‬             ‫وتضيق عينيها العسليتين‬             ‫ربات بيوت الطبقة الوسطى‬
   ‫ومع ذلك فهناك أوقات كثيرة‬         ‫الفاتحتين بطريقة تنوه بها إلى‬         ‫أثناء تردد أزواجهن المنتمين‬
   ‫تمر دون أن نتبادل الحديث‪،‬‬        ‫جسارة ما هي على وشك قوله‪:‬‬               ‫إلى ذات الطبقة س ًرا عليهن‪.‬‬
     ‫ونفضل أن نبقى صامتين‪.‬‬           ‫«إسطنبول‪ ..‬القسطنطينية‪ ..‬أو‬           ‫كما استغلتهم نائبة كأهداف‬
   ‫عندما نكون صامتين‪ ،‬نسمع‬                                               ‫في حملتها السياسية الشرسة‬
   ‫بوضوح أكثر صخب المدينة‬             ‫سمها ما شئت‪ ،‬لا تزال طفلة‬           ‫التي تعاطف معها أهل الخير‪،‬‬
                                    ‫رضيعة‪ .‬وعلى فكرة نحن الذين‬           ‫وروعها العامة‪ ،‬وأخي ًرا تخلص‬
  ‫في الخارج‪ -‬زمامير العربيات‬                                            ‫منها البوليس بطريقة ممنهجة لا‬
      ‫العالقة في زحمة المرور‪،‬‬         ‫نعيش على أسنانها الحليبية‪.‬‬          ‫هوادة فيها‪ .‬قام بذلك مسؤول‬
                                   ‫وإن عاج ًل أم آج ًل ستسقط هذه‬            ‫رفيع المستوى محترف في‬
‫اللعنات‪ ،‬والتجديفات والصلوات‬       ‫الأسنان كلها‪ .‬وحينها سنكون قد‬           ‫أساليب التعذيب التي طورها‬
 ‫والشائعات التي تنضح من كل‬                                                ‫بحيث توقع أشد الألم دون أن‬
                                                  ‫رحلنا جمي ًعا»‪.‬‬         ‫تترك أث ًرا ظاه ًرا‪ .‬وهكذا غادر‬
   ‫مسامة من المسامات‪ .‬وعلى‬           ‫في أحلامي تغسل آيزن يديها‬           ‫هذا الجمع الفاسق‪ .‬وتجشأتهم‬
 ‫الرغم من ذلك فمن حين لآخر‪،‬‬           ‫وشفتيها بالصابون‪ .‬ثم تظهر‬           ‫هذه المدينة فجأة مثل بركان‬
  ‫وفي غمرة هذا الهرج والمرج‪،‬‬                                               ‫يقذف من فوهته هذا الجحيم‬
 ‫أستطيع أي ًضا أن أسمع الدعوة‬           ‫وبيدها سكين مطبخ‪ ،‬تقطع‬             ‫المتكدس داخله دفعة واحدة‪.‬‬
   ‫الآسرة للأختين المد والجزر‬        ‫نفسها إلى نصفين‪ .‬ثم تسحب‬              ‫لازلت أرجح فكرة أن يكونوا‬
                                     ‫رئتيها وتغسلهما‪ .‬وتتراءى لي‬          ‫ببساطة قد غادروا المركب ثم‬
   ‫وهما تهذيان بالرقص تحتنا‪.‬‬         ‫وهي تقف في الحديقة مرتدية‬
  ‫هناك مدان وجزران‪ ،‬الصغرى‬          ‫فستا ًنا طوي ًل باهتًا‪ ،‬بينما تقوم‬              ‫استقلها آخرون‪..‬‬
  ‫منهما بالقرب من سطح البحر‬          ‫بنشر أعضائها التي قامت للتو‬        ‫وهناك آثارهم التي أصبحت مثل‬

     ‫والأخرى في أعماق البحر‬            ‫بغسلها على الحبل‪ .‬وتنتظر‬           ‫ذكرى من الماضي‪ .‬فالرسوم‬
     ‫تحتنا‪ .‬والاثنتان تريدان أن‬    ‫بصبر حتى يجف قلبها وكليتاها‬             ‫البذيئة والكتابة المبتذلة على‬
 ‫تبحرا بالمركب بعي ًدا‪ ،‬واثنتاهما‬
 ‫تسحباننا بحذر شديد‪ ،‬وبحنان‬                ‫ورحمها تحت الشمس‪.‬‬                 ‫جدران الأبنية‪ ،‬على سبيل‬
‫ولكن باتجاهين متعاكسين‪ .‬وبما‬              ‫تصلي آيزن أثناء قيامها‬          ‫المثال‪ ،‬والتي يمكن حتى الآن‬
 ‫أن الأخت الكبرى أقوى إلى حد‬        ‫بالغسيل كلما استطاعت‪ ،‬وتطيل‬            ‫قراءتها على الرغم من اللون‬
   ‫ما من الصغرى فهي تسحبنا‬         ‫الصلاة بقدر ما تستطيع وتصلي‬          ‫الأبيض التي طليت به طبقة فوق‬
‫بسلاسة باتجاه الجنوب‪ .‬وعندما‬             ‫من قلبها بقدر ما يمكنها‪.‬‬
 ‫يلتهم السمك النهم هذه الحبال‬         ‫تقول آيزن بمرح وثقة‪« :‬ذات‬             ‫طبقة بعد مغادرتهم‪ .‬وهناك‬
‫وترفع الريح المرسى‪ ،‬فسيكون‬          ‫يوم كنت آثمة‪ ،‬ألقي اللؤلؤ أمام‬          ‫أي ًضا قلة من الناس ممن لم‬
   ‫ذلك هو الاتجاه الذي سنبحر‬        ‫الخنازير‪ ،‬ولكنني تبت عن ذلك‪،‬‬         ‫يغادروا أثناء الترحيل الجماعي‬

              ‫نحوه بالتأكيد‪.‬‬                   ‫والله قد غفر لي!”‬
     ‫وفي وقت مبكر من مساء‬           ‫لا نشعر بالحرج ونحن نكاشف‬

                                       ‫بعضنا البعض بأعمق ما في‬
   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164