Page 156 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 156

‫العـدد ‪21‬‬                                 ‫‪154‬‬

                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                             ‫وقالت أمي متذمرة‪« :‬طالما‬
                                                                          ‫وجهوا لك دعوة إلى بلدهم‬
     ‫باذنجانة واحدة فقط وحبة‬        ‫وأتمنى أن يرزقا بستة أطفال‬          ‫كي تعمل لديهم عام ًل فلماذا‬
  ‫كوسا وحبتي فلفل‪ ..‬وجميعهم‬          ‫على الأقل‪ .‬وإذا تم ختان أي‬         ‫لم يرسلوا لك الرسالة باللغة‬
                                  ‫صبي في غيابي فهنيئًا له أي ًضا‪.‬‬    ‫التركية؟ ألم يكن ذلك ليوفر علينا‬
     ‫يطلقون على ذلك شوبينج‪.‬‬       ‫وإذا قام أي شاب وفتاة بالفرار‬
 ‫أعيش في هذا البيت الطوبي مع‬       ‫سو ًّيا بقصد الزواج في غيابي‬                  ‫كل هذه المشقة؟»‪.‬‬
‫سبعة أشخاص آخرين‪ .‬جميعهم‬              ‫أتمنى أن يتم الإمساك بهما‬       ‫وبدا والدي محب ًطا‪« :‬ألم تفهمي‬
  ‫من الأتراك وكلهم عمال مثلي‪.‬‬     ‫قريبًا‪ .‬ولكني آمل أي ًضا أن ينالا‬   ‫بأنهم يريدونني أن أتعلم لغتهم‬
                                   ‫عفو كبار العائلة ويحصلا على‬
     ‫هم أشخاص لطيفون ولكن‬                                               ‫بأسرع وقت‪ ،‬بد ًءا من اليوم‪.‬‬
‫بعضهم يشخر كثي ًرا‪ .‬لا أستطيع‬                   ‫مباركة أهلهما‪.‬‬        ‫ولقد تعلمت أول كلمة ‪fabriek‬‬
 ‫النوم‪ .‬جربت أن أحشي كل أذن‬           ‫أما بالنسبة لي فلقد وصلت‬
‫بكرة صغيرة من القطن وبالفعل‬          ‫بمساعدة الله إلى أمستردام‬                   ‫ومعناها مصنع!»‪.‬‬
                                      ‫واستقررت في منزل جديد‬           ‫ومن ثم سافر والدي في صيف‬
   ‫نمت بشكل جيد‪ .‬ولكن عندما‬        ‫مصنوع من الطوب الأحمر‪ .‬لو‬          ‫‪ 1978‬إلى أمستردام وفي جيبه‬
  ‫استيقظت وجدت أن إحداها قد‬         ‫كان في إسطنبول لكنا طليناه‬
 ‫فقدت وكلما خطر في بالي أنها‬       ‫باللون البرتقالي أو الزهري أو‬        ‫أربعة وخمسون دولا ًرا‪ ،‬وفي‬
‫اختفت داخل أذني أشعر بالتوتر‪.‬‬       ‫الأزرق‪ .‬ولكنهم هنا لا يطلون‬        ‫قاموسه اللغوي كلمة هولندية‬
‫ولا أستطيع الذهاب إلى الطبيب‪.‬‬       ‫المباني المصنوعة من الطوب‬         ‫واحدة‪ ،‬وفي حقيبة سفره كيس‬
                                  ‫الأحمر بل يتركونها على حالها‪.‬‬         ‫مليء بمعلبات شوربة الكشك‬
   ‫لأنهم سيعتقدون أن صحتي‬         ‫ويقولون إن عمدة المدينة يعيش‬         ‫المركزة‪ ،‬وفي قلبه طموح لأن‬
    ‫معلولة‪ .‬هل لديكم أي علاج‬           ‫أي ًضا في منزل من الطوب‬        ‫يصبح شخ ًصا مه ًّما ومحتر ًما‪.‬‬
                                     ‫الأحمر‪ .‬الهولنديون مقترون‬        ‫استأجر منز ًل في منطقة مكتظة‬
                      ‫لذلك؟‬            ‫ويدخرون كل قرش‪ .‬وفي‬           ‫بالأتراك والجزائريين وبدأ العمل‬
    ‫الطقس في هولندا بارد وكل‬      ‫السوبرماركت يبيعون الخضرة‬             ‫على الفور في مصنع لتجهيز‬
   ‫واحد هنا أشقر‪ .‬يبدو أن الله‬      ‫بالقطعة‪ .‬رأيت أنا ًسا يشترون‬
‫نسي أن يخبر الشمس بأن تزور‬                                                  ‫وتغليف اللحوم الباردة‪.‬‬
‫هذه البلاد من حين لآخر‪ .‬ولكني‬                                        ‫بعد ثلاثة أسابيع وصلتنا رسالة‬
 ‫لا أستطيع الشكوى‪ .‬فلدي عمل‬
‫محترم في المصنع‪ .‬أقضي اليوم‬                                            ‫من والدي‪ .‬وبد ًل من أن تكون‬
  ‫وأنا أغلف النقانق‪ .‬بعضها من‬                                         ‫الرسالة موجهة لأمي شخصيًّا‪،‬‬
‫الحجم الكبير ج ًّدا والبعض الآخر‬                                       ‫كانت موجهة لكل أفراد العائلة‬
‫له عدة أحجام‪ .‬المكان به ضجيج‬
 ‫ولكن لا تصدر عنه رائحة‪ .‬كان‬                                            ‫مما أثار حزن والدتي‪ُ .‬فتحت‬
    ‫من الممكن أن يكون مصن ًعا‬                                            ‫الرسالة و ُقرأت بصوت عال‬
   ‫للحوم الخنزير‪ .‬أستغفر الله‪.‬‬                                       ‫أمام كل الأقارب بما فيهم جدتي‬
   ‫وأحمد الله لأنني غير مضطر‬
  ‫لأن ألمس لحم الخنزير الآسن‬                                               ‫وجدي وأعمامي وعماتي‪.‬‬
 ‫والآثم طيلة اليوم‪ .‬أعرف رج ًل‬                                         ‫إلى كل أفراد عائلتي الصغيرة‬
   ‫تركيًّا يعمل في مصنع للحوم‬
‫الخنزير‪ .‬ولا يستطيع هذا الرجل‬                                                    ‫والكبيرة الأعزاء‪..‬‬
  ‫المسكين أن يقول لأي شخص‬                                            ‫أرسل لكم جمي ًعا تحياتي الحارة‬
    ‫أين يعمل‪ .‬ولا حتى لعائلته‪.‬‬
                                                                          ‫وأقبل أيادي الكبار وعيون‬
                                                                     ‫الصغار‪ .‬وإذا كان أي شخص قد‬
                                                                     ‫تزوج في غيابي فهنيئًا للزوجين‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161