Page 153 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 153

‫حول العالم ‪1 5 1‬‬

      ‫إليف شافاق‬

‫سعادة الشعوب الشقراء‬

‫ترجمة ‪:‬‬

‫رولا عبيد‬

      ‫أو شيء من هذا القبيل؟»‪.‬‬      ‫الليمون ورش رقبته بالبودرة‪.‬‬     ‫ولد ُت عام ‪ 1977‬في منزل‬
 ‫وأجابه الرجل بنبرة بدت وكأنه‬         ‫ولكن الرجل لم ينهض من‬
  ‫قد جرح‪« :‬بالطبع لا‪ ،‬ولكن من‬                                    ‫عشوائي في ضواحي إسطنبول‪.‬‬
                                    ‫مكانه‪ ،‬على الرغم من أنه بدا‬   ‫وكان بانتظاري مصير مختلف‬
    ‫السهل عليك أن تتحدث بتلك‬          ‫مسرو ًرا من النتيجة‪ .‬فأخذ‬  ‫عن الحياة التي أحياها إلى الآن‪.‬‬
 ‫الطريقة‪ .‬فأنا بلا عمل منذ فترة‬   ‫والدي يشذب له شاربه وينتف‬      ‫حينذاك كان والدي لا يزال على‬
                                 ‫شعر أذنيه ويدلك وجهه‪ ،‬وعندما‬
   ‫طويلة ولا أستطيع الاستمرار‬      ‫لم يبق شيء يستطيع فعله له‬         ‫قيد الحياة‪ ،‬ومن المؤكد أن‬
     ‫بهذا الشكل أكثر من ذلك»‪.‬‬                                     ‫مصيري هذا خالف ظنه‪ .‬ولكن‬
                                            ‫طلب منه الحساب‪.‬‬        ‫في ذلك الوقت لم يكن والدي‬
 ‫وغض والدي طرفه بلا اهتمام‪.‬‬      ‫وعند ذاك قال الزبون وهو يحيد‬
    ‫فأكمل الرجل حديثه‪« :‬أخي ًرا‬   ‫ببصره عنه‪« :‬مازال هناك شيء‬        ‫يجيد التخطيط للمستقبل‪ .‬لم‬
  ‫وجدت عم ًل‪ .‬عمل جيد‪ .‬ولكنه‬      ‫واحد‪ ،‬هل تستطيع من فضلك‪..‬‬        ‫يخطط للعيش في هولندا على‬
    ‫في النرويج‪ .‬وإذا ثابرت فيه‬   ‫أقصد‪ ،‬هل تستطيع صبغ شعري‬
                                                                     ‫كل حال‪ ،‬ولم يكن ينوي أن‬
‫بجدية فإنني أستطيع في غضون‬                    ‫باللون الأشقر؟»‪.‬‬    ‫يموت مبك ًرا‪ .‬ولم تكن هذه هي‬
 ‫أقل من عامين توفير مبلغ كاف‬        ‫وكرر والدي منده ًشا‪ :‬أشقر؟‬     ‫الحياة التي يتصورها لنا‪ .‬ولو‬
                                    ‫وهز الرجل رأسه قائ ًل‪« :‬نعم‬   ‫كان الأمر بيده‪ ،‬لما أغلق دكان‬
    ‫من المال للزواج‪ .‬وخطيبتي‬                                       ‫حلاقته وغادر البلاد‪ .‬فوالدي‬
‫سوف تنتظرني‪ .‬ووعدني والدها‬            ‫أشقر مثل ذلك» مشي ًرا إلى‬
                                   ‫علم باللونين الأزرق والأصفر‬         ‫كان على عكسي‪ ،‬له بلد‪.‬‬
  ‫بألا يقبل أي شخص يتقدم لها‬       ‫لفريق كرة قدم كان والدي من‬     ‫كان عمري ثمانية أشهر عندما‬
   ‫غيري‪ .‬وسأقتل نفسي إذا لم‬
              ‫أتمكن من ذلك»‪.‬‬                        ‫مشجعيه‪.‬‬          ‫جاء إلى دكان حلاقة والدي‬
    ‫وكي يخفف والدي من حدة‬        ‫وسأله والدي‪« :‬هل جننت؟»‪ .‬هل‬        ‫رجل قصير ذو بشرة داكنة‪.‬‬
                                                                   ‫حلق له والدي ذقنه وشذب له‬
‫سلوكه‪ ،‬طبطب على كتف الرجل‪.‬‬         ‫تريد أن يظن الناس أنك مخنث‬      ‫شعره ومسح وجهه بكولونيا‬
  ‫وبما أنه ليس من عادة الرجل‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158