Page 158 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 158

‫العـدد ‪21‬‬                              ‫‪156‬‬

                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                     ‫البحار فجأة ترك بيئتها الأصلية‬
                                                                  ‫والسباحة كل المسافة من البحر‬
   ‫يقضوا على كل شخص وكل‬              ‫الخشونة بسبب إسرافها في‬
   ‫متجر يديره اليهود‪ ،‬والأرمن‬         ‫استخدام المطهرات‪ .‬أدعوها‬         ‫الأحمر إلى البحر المتوسط‬
 ‫واليونانيون أو أي متجر يحمل‬         ‫للدخول‪ .‬لا نحمل لبعضنا أية‬       ‫مرو ًرا ببحر إيجة ومنه إلى‬
                                  ‫ضغائن‪ .‬تعود صداقتنا لمجراها‬     ‫شواطىء إسطنبول وما إن تصل‬
      ‫اس ًما غير مألوف‪ .‬وتراكم‬    ‫الطبيعي‪ .‬وخلال الأيام اللاحقة‪،‬‬  ‫إلى المدينة وتصبح تحت مركبنا‬
      ‫الزجاج المنثور في جميع‬        ‫وفي أي وقت تذكر فيه الخطر‬     ‫حتى تفتح أفواهها المتعطشة إلى‬
‫الأرجاء والتمع الحي كله وأصبح‬     ‫الداهم‪ ،‬أنصت إليها وأنا صامتة‪،‬‬     ‫الدماء وتخلق منها فوهة على‬
   ‫كمرآة تعكس أشعة الشمس‪.‬‬            ‫طالما لا يوجد لدي مزيد من‬     ‫شكل دوائر مركزية قوية قادرة‬
   ‫وسحب بعض من الغوغائيين‬            ‫الاعتراضات الواجب ذكرها‪.‬‬       ‫على ابتلاعنا جمي ًعا في قاع لا‬
   ‫الثلاجات البيضاوية البيضاء‬       ‫«تحذر مجلة (المحيط العميق)‬
  ‫المنتجة حديثًا التي كانت تباع‬      ‫من قدرة سمكة عقرب البحر‬                          ‫قرار له‪.‬‬
‫في بعض المتاجر القليلة الفاخرة‬     ‫المذهلة على التخفي‪ .‬فهي تموه‬     ‫أقول لها وأنا أرغم نفسي على‬
 ‫ودحرجوها واحدة تلو الأخرى‬        ‫نفسها بين الشعب المرجانية من‬
    ‫باتجاه شارعنا وهم يهللون‬                                            ‫الابتسام «لا تخافي‪ ،‬فهذه‬
     ‫للصوت العالي الصادر عن‬              ‫حيث تهاجم فريستها»‪.‬‬        ‫الوحوش الصغيرة لا تستطيع‬
‫وقوع كل ثلاجة وتحطمها‪ .‬وبين‬          ‫للوهلة الأولى لا يوجد هناك‬    ‫قطع كل تلك المسافة‪ .‬سنعيش‬
 ‫الفينة والأخرى أرى في منامي‬          ‫أي شيء يميز المكان الذي‬       ‫في أمان وهدوء على شواطئنا‬
‫ثلاجات تتدحرج باتجاه شارعنا‬          ‫نسكن فيه‪ .‬فهو مجرد شارع‬
    ‫ولكن دون صخب ودون أن‬            ‫ملت ٍو وضيق وقذر من شوارع‬          ‫إلى أن يأتي يوم تظهر فيه‬
 ‫تتحطم‪ ،‬وإنما كانت على العكس‬        ‫إسطنبول‪ .‬ولكنه الوحيد الذي‬              ‫سمكة عقرب البحر»‪.‬‬
    ‫تتدحرج في الشارع وكأنها‬        ‫ينحدر بشدة إلى الأسفل وكأنه‬
                                  ‫ينزلق من فوق تلة‪ .‬وينحدر إلى‬      ‫تلتقط آيزن مسحة سخرية من‬
                      ‫ريشة‪.‬‬         ‫درجة أنه عندما يهطل المطر‪،‬‬     ‫صوتي‪ .‬فتتمتم «أنت لا تهتمين‪،‬‬
 ‫وهكذا رحلت الأقليات‪ .‬وغادروا‬     ‫ولو مجرد زخات تتجمع وتتدفق‬
                                     ‫من المنحدر باتجاه شارعنا‪،‬‬        ‫كل ما تفعلينه هو السخرية»‬
  ‫المركب إلى الأبد‪ .‬أما من بقي‬                                      ‫وهي تسرع بالخروج وتصفع‬
      ‫منهم فقد أصبح في عداد‬             ‫وفي وقت قياسي يتحول‬         ‫الباب وراءها‪ .‬أسمع من غرفة‬
                                  ‫الشارع المعبد بالحصى إلى نهر‬      ‫نومي صوت حنفية الماء وهي‬
‫المخلفات‪ .‬وفي السبعينيات أدت‬                                          ‫تملأ البانيو حتى يصل الماء‬
 ‫الطفرة العمرانية إلى جذب نوع‬      ‫هائج من الوحل إلى درجة أننا‬      ‫إلى حوافه‪ .‬ستأخذ الآن حما ًما‬
  ‫مختلف تما ًما من البشر‪ .‬آنذاك‬   ‫نحن سكان المكان نختلس النظر‬     ‫ساخنًا‪ .‬فالحزن بالنسبة لها نوع‬
                                                                     ‫من القذارة‪ ،‬بمجرد أن تلاحظ‬
    ‫كان المركب ذا سمعة رديئة‬        ‫إليه من وراء الستائر‪ .‬وفض ًل‬     ‫بقعة منه تلطخ جسدها تقوم‬
  ‫بسبب نشاطه السيء وسكانه‬            ‫عن ذلك المنحدر‪ ،‬فثمة شيء‬
‫الأكثر سو ًءا– فقد كانوا مجموعة‬       ‫آخر يتعلق بمركبنا يستحق‬                 ‫بحكها حتى تزول‪.‬‬
  ‫متنوعة من الساخطين من كل‬                                           ‫وفي وقت متأخر من المساء‬
 ‫الاتجاهات‪ ،‬والمتحولين جنسيًا‬           ‫الوصف‪ :‬ألا وهو ركابه‪.‬‬          ‫تدق آيزن باب منزلي وهي‬
                                        ‫فذات يوم كان سكان هذا‬      ‫تحمل سلطانية عاشوراء كبيرة‪.‬‬
     ‫وتجار المخدرات وقوادين‬            ‫الشارع من الأقليات‪ .‬وفي‬         ‫ترتدي فستا ًنا مكو ًّيا جي ًدا‪،‬‬
  ‫وعاهراتهم الكثيرات وزبائنهن‬          ‫عام ‪ 1955‬تجمعت حشود‬          ‫ناصع البياض على عكس لون‬
 ‫الكثر‪ .‬كانوا جمي ًعا يعيشون هنا‬     ‫من القوميين المتطرفين وهم‬    ‫بشرتها الحمراء مثل لون عقرب‬
 ‫في الشقق التي نقيم بها اليوم‪.‬‬         ‫يرددون شعارات‪ ،‬قبل أن‬          ‫البحر‪ ،‬والتي صارت شديدة‬

     ‫وكان هذا مركبهم‪ .‬ولكنهم‬
   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163