Page 155 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 155

‫حول العالم ‪1 5 3‬‬

‫كانت رأسه مرقعة بسبب حلاقة‬           ‫بشكل صحيح؛ كانت ردة فعله‬          ‫زاوية من زوايا المنزل ساعدت‬
‫أجزاء من شعره ووجهه لا يزال‬         ‫الأولى إقناع نفسه أن ذلك كان‬      ‫والدي على غسل شعره‪ .‬ووقف‬
‫متور ًما بالإضافة إلى أنه اصطبغ‬     ‫مجرد حلم سيئ وأنه سيصحو‬            ‫الإثنان بجانب بعضهما البعض‬

   ‫الآن بظلال غريبة من الأحمر‬         ‫وهو يشعر بسلام بمجرد أن‬            ‫أمام مرآة الحمام يحدقان في‬
 ‫والبنفسجي وبدا كمعتوه هارب‬           ‫يعود إلى النوم مجد ًدا‪ .‬وكلما‬         ‫الشخص الغريب أمامهما‪.‬‬
                                      ‫حاول إجبار نفسه على النوم‬            ‫وقالت أمي‪« :‬لم تعد تشبه‬
          ‫من مشفى المجانين‪.‬‬            ‫استحال عليه النوم واضطر‬
    ‫لم تتح لي الفرصة أن أسأل‬                                            ‫نفسك‪ ،‬تبدو وكأنك سائح من‬
 ‫والدي إذا كان مظهره الجديد له‬          ‫للنهوض من سريره‪ .‬تورم‬             ‫الهيبيز»‪ .‬وهز والدي رأسه‬
   ‫علاقة بما سيأتي لاح ًقا ولكن‬     ‫وجهه واصطبغت رقبته باللون‬
 ‫بعد كارثة الصبغة بوقت قصير‬                                            ‫قائ ًل‪« :‬هذا حسن‪ ،‬فكلما بدوت‬
 ‫تلقى والدي رسالة رسمية بلغة‬          ‫البنفسجي وبدا كأنه مخنوق‬          ‫غربيًا تتحسن فرص حصولي‬
  ‫أجنبية‪ .‬وتجمعنا حول الرسالة‬      ‫بحبل غير مرئي‪ .‬ومما زاد الطين‬       ‫على عمل في بلد أجنبي‪ .‬وكنت‬
   ‫نحدق في الأحرف الغامضة‪.‬‬
 ‫وأرادت أمي أن تعرف «أي لغة‬            ‫بلة شعوره بحكة مريعة في‬              ‫أتمنى لو أنني أتحدث لغة‬
                                             ‫صدره وفروة رأسه‪.‬‬             ‫أجنبية‪ .‬لقد سمعت ما قالوه‬
                     ‫هذه؟»‪.‬‬                                                ‫أمس في التلفزيون‪ :‬إن لغة‬
   ‫واقترح والدي‪« :‬فلنسأل ابن‬         ‫صرخ والدي وهو يحاول فتح‬          ‫واحدة تساوي إنسا ًنا واح ًدا وإذا‬
                                       ‫النافذة لاستنشاق هواء نقي‬        ‫استطعت التحدث بلغتين فهذا‬
                  ‫مصطفى»‪.‬‬                                             ‫يعني أنك شخصان بجسد واحد‬
    ‫كان مصطفى الابن الأصغر‬          ‫قا ًئلا‪« :‬إنني أموت» وحك رقبته‬       ‫وثلاث لغات ثلاثة أشخاص‪..‬‬
  ‫لصاحب البقالة طالبًا في كلية‬     ‫في الوقت ذاته قائ ًل‪« :‬لا بد أنني‬   ‫وكيف أستطيع منافسة شخص‬
  ‫الهندسة وبقي كذلك إلى الأبد‪.‬‬                                            ‫فيه أكثر من إنسان واحد؟»‪.‬‬
   ‫كيف لم تطرده الجامعة على‬            ‫تسممت أو حدث شيء ما»‪.‬‬              ‫رفعت والدتي كتفيها قائلة‪:‬‬
  ‫الرغم من سجله الطويل الدائم‬          ‫كنا قد تناولنا اللبن الزبادي‬     ‫«سوف تتعلم‪ ،‬الأمر ليس بتلك‬
    ‫في الغياب عن الدروس بقي‬             ‫والكفتة والأرز على العشاء‬       ‫الصعوبة‪ .‬فطالما أنك أصبحت‬
‫لغ ًزا محي ًرا لجميع من حوله بمن‬       ‫وساور والدي الشك في أن‬          ‫أشقر مثل الأوروبيين تستطيع‬
‫فيهم والدي‪ .‬ورغم ذلك فلا يزال‬          ‫الطعام تسبب في هذا الألم‪.‬‬        ‫أن تتعلم لغتهم بوقت وجيز»‪.‬‬
 ‫هو الشخص الصحيح لأن لديه‬              ‫وكنت خارج الحسبان لأنني‬             ‫لم يخطر في بال والدي أن‬
                                        ‫تناولت الجزر مع بطاطس‬            ‫يتساءل عن المنطق من وراء‬
                    ‫علاقات‪.‬‬          ‫البوريه في ذلك المساء‪ .‬ولكن‬         ‫تلك الفرضية‪ .‬لا حينذاك ولا‬
 ‫أعطى والدي الرسالة لمصطفى‬         ‫والدتي وأحمد تناولا ذات العشاء‬     ‫فيما بعد‪ .‬في تلك الليلة ذهب إلى‬
  ‫كي يعطيها لابنه حتى يأخذها‬          ‫مع والدي ولم تظهر على أي‬         ‫النوم مسرو ًرا بنفسه وكأنه قد‬
                                                                      ‫أصبح شخصين في جسد واحد‪.‬‬
      ‫إلى واحد من أساتذته في‬               ‫منهما علامات التسمم‪.‬‬       ‫وتظاهر بعدم ملاحظة الهمهمات‬
‫الجامعة‪ .‬وجاء الرد بعد اسبوع‪.‬‬        ‫في النهاية لم يكن التسمم من‬        ‫التي كانت تصدر عن أخي من‬
                                                                        ‫حين لآخر‪ .‬كان سعي ًدا ومليئًا‬
    ‫كانت الرسالة مكتوبة باللغة‬         ‫الطعام هو ما أسرع بوالدي‬        ‫بالأمل إلى درجة أنه عندما كان‬
 ‫الهولندية وتحمل أخبا ًرا سارة‪.‬‬       ‫إلى غرفة الإسعاف‪ .‬لقد ظهر‬           ‫يستيقظ عند الفجر مسكو ًنا‬
 ‫لقد تلقى والدي موافقة من أحد‬                                           ‫بالألم وغير قادر على التنفس‬
                                       ‫أن والدي تحسس من مادة‬
   ‫البلاد العديدة التي تقدم إليها‬     ‫بارافنيلين ثنائي الأمين وهو‬
‫بطلب للعمل فيها‪ .‬وهذا البلد كان‬     ‫عنصر صبغي كيميائي موجود‬
                                       ‫في مثبت الصبغات الملونة‪.‬‬
                     ‫هولندا‪.‬‬          ‫عندما عاد من المستشفى لم‬
                                    ‫يعد يبدو عليه أنه سائح غربي‪.‬‬
   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160