Page 226 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 226

‫والنار والهواء)‪ ،‬فتتحول الوحوش‬      ‫سيبقى الجدل قائ ًما حول تسمية قصيدة‬
     ‫إلى نار تجوب الشوارع‪ ،‬وتلك‬          ‫النثر‪ ،‬كما أن رفض الذائقة العربية‬
                                        ‫التقليدية لتقبلها يثير الشك حولها‪،‬‬
 ‫الشوارع تتجسد بصورة كائن حي‬
    ‫قادر على البكاء‪ ،‬ويتحول البكاء‬    ‫و»الإصرار على القياس على الشعر وحده‬
    ‫إلى موسيقى‪ ،‬فيتطاير كل شيء‬          ‫يربك القارئ»‪ ،‬طالما أننا نتحدث عن‬

‫حولها مذعو ًرا فز ًعا‪ ،‬كما أن «جدران‬  ‫قصيدة وعن نثر (أي قصيدة النثر)‪ ،‬فليكن‬
‫البيوت تتهاوى‪ ،‬والمدينة مرايا الليل‪،‬‬   ‫جنس أدبي ثالث‪ ،‬فهناك شعر وهناك‬
‫فهنا ينكسر تو ّقع القارئ أو المتلقي‬
‫للصورة الشعرية‪ ،‬لينفتح النص على‬              ‫سرد (نثر) وهنا قصيدة النثر‬
‫صورة عاشقين‪ ،‬بل تتناسل الصورة‬
                                         ‫الموسيقي للشعر‪ ،‬وتطويع اللغة‬     ‫موجة قصيدة النثر‪ ،‬وقدموا كتابات‬
    ‫إلى صور العشاق والنساء على‬        ‫في صور فنية خ َّلقة‪ ،‬تحمل دلالات‬    ‫غثّة وهزيلة تحت هذا المس ّمى‪ ،‬كما‬
 ‫الشرفات‪ ،‬وتستفز القارئ‪ /‬المتلقي‬                                           ‫أن هناك َم ْن كتب القصة القصيرة‬
                                          ‫المعنى لتصيب وقعها في نفس‬
      ‫الصور المتلاحقة في قصيدة‬        ‫القارئ أو المتلقي‪ ،‬وانعطفت كتاباته‬      ‫ج ًّدا والقصة والرواية وقصيدة‬
  ‫«سردية نشيج العاصفة» بحيث لا‬                                              ‫التفعيلة والقصيدة العمودية وهم‬
 ‫يستطيع السيطرة على المشاهد في‬             ‫نحو قصيدة النثر‪ ،‬وت ّوجها في‬      ‫يعيشون وهم الكتابة‪ ،‬وكتاباتهم‬
  ‫متوالياتها الجمالية‪ ،‬وهذا ما نجده‬    ‫تجربة فريدة من نوعها في ديوانه‬
                                        ‫«سرديات مضيئة»‪ ،‬ويظن السامع‬           ‫ثرثرات وتسويد صفحات‪ ،‬وإن‬
    ‫في القصائد الطوال في الديوان‪،‬‬     ‫أنها سرديات مجزأة أو منفصلة عن‬       ‫كان بعضهم أخذ حي ًزا ومكانة في‬
   ‫ومن الملاحظ أن القصائد الطوال‬       ‫بعضها‪ ،‬ولكن قراءة الديوان قراءة‬     ‫الصحافة والإعلام‪ ،‬فهناك فوضى‬
 ‫تقوم بعد عتبات النص المكونة من‬       ‫مكتملة تكشف عن حلقاتها المتصلة‪،‬‬
 ‫جملة (إسمية أو فعلية) مثل‪ :‬نشيج‬                                                ‫في الكتابة‪ ،‬وأظن أن شبكات‬
‫العاصفة‪ /‬لست أبكي‪ /‬أشجار التين‬               ‫فكل قصيدة تفضي للأخرى‬           ‫التواصل الاجتماعي أسهمت في‬
  ‫لا تنام أب ًدا‪ /‬ملاك البحر‪ /‬رقصة‬    ‫بفضائها المسكون بالرغبة في كسر‬
                                                                                        ‫خلق هذه الفوضى‪.‬‬
     ‫المذبح‪ /‬الوردة النائمة‪ /‬قطار‬        ‫رتابة الحياة وعبثيتها‪ ،‬إلى رؤية‬    ‫بعد هذه المقدمة ينفتح أفق النقد‬
    ‫الليل‪ /‬الليك نجمة‪ /‬غابة الثلج‪/‬‬               ‫فلسفية تصوفية عميقة‪.‬‬         ‫على مجموعة الشاعر جميل أبو‬
  ‫يا سارق الغيم‪ /‬نصوص الحياة‪..‬‬                                               ‫صبيح «سرديات مضيئة»‪ ،‬وهي‬
  ‫في حين تقوم القصائد القصار أو‬          ‫يقوم البناء السردي في نصوص‬        ‫صادرة عن الهيئة المصرية العامة‬
    ‫المقطوعات الشعرية بعد عتبات‬           ‫«السرديات» على تقنية المكان‪،‬‬     ‫للكتاب للعام ‪ ،2017‬وتقوم قصائد‬
     ‫النص المكونة من كلمة واحدة‬           ‫حيث ينشغل الشاعر بالتفاصيل‬      ‫الديوان على ثمان وعشرين سردية‪،‬‬
   ‫مثل‪ :‬القمر‪ /‬الشمس‪ /‬السنابل‪/‬‬           ‫الصغيرة في الحياة‪ ،‬التي تشكل‬       ‫حيث انشغل أبو صبيح في بداية‬
‫الشال‪ /‬القلب‪ /‬الصورة‪ /‬الحورية‪/‬‬                                               ‫تجربته بقصيدة التفعيلة‪ ،‬وأثبت‬
                                      ‫بنية كبيرة في رؤيته للعالم‪ ،‬فتصبح‬      ‫أن لديه قدرة على ضبط الإيقاع‬
       ‫العشق‪ /‬السياج‪ /‬الأحلام‪/‬‬           ‫ثنائية الموت والبعث مصدر قلق‬
  ‫الشهيد‪ /‬الحمامة‪ /‬عزاء‪ /‬الذئب‪/‬‬         ‫الشاعر في وحدة الوجود (الطين‬
   ‫السرد‪ /‬الضوء‪ /‬الحياة‪ /‬خيول‪.‬‬

      ‫ونرى أن القصائد التي تحمل‬
    ‫عناوين من كلمة واحدة هي في‬
    ‫مضامينها وجودية فلسفية‪ ،‬أي‬
   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231