Page 81 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫أنا حاسس يا دكتور إن الفقير هو اللي هيدخل النار‪.‬‬      ‫مضى طال ًعا ناز ًل عبر الحوارى إلى المقهى الوحيد‬
   ‫يبقى احنا كده يا فقرا أخذنا أكبر خازوق‪ .‬فقال له‬  ‫بالقرية لا يرى غير ضباب الفجر الرملي ولا أحد‪ .‬لدى‬
  ‫د‪.‬مجدى‪ ..‬إحنا يا ريس إن شاء الله من أهل زحزح‪.‬‬
    ‫يعني من الذين زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة‪.‬‬     ‫مروره بالنهر رأى عكارته تصادق أبدان المستحمين‬
   ‫فحتي لو ُكنا في القاع لن تجد ناموسه ولا برغوث‬       ‫من بشر وحيوانات‪ .‬إلى أن تصير للماء العكر آيته‬
                                                       ‫على الخلق والدواب والزروع‪ ..‬فقال لنفسه‪ ..‬هؤلاء‬
‫ولا دبانة ولا حر ولا برد‪ .‬اطمن إحنا من أهل زحزح‪.‬‬
‫‪ -‬الله يطمنك يا بيه‪ ..‬وأضاف العجوز‪ ..‬الكهربا حدانا‬   ‫الناس لا يغفرون لأنفسهم ما يغفره الماء لهم‪ .‬ينقص‬
                                                                ‫أن يلوموا الإله على إفراطه في تسامحه‪.‬‬
   ‫ف أهم مكانين‪ ،‬في بيت الله‪ ،‬والطرب عاوزينها ف‬
  ‫بيوتنا‪ .‬وبعد أن سار لخطوات التفت مخاطبًا الطبيب‬       ‫مضى بإتجاه المقهى الساهر‪ .‬حيث وجد د‪.‬مجدى‬
                                                      ‫ينقر على الترابيزة للشبان الذين أحاطوه في الضوء‬
     ‫الجديد وقد بدا أنه يعرفه‪ ..‬والنبي يتفضل عندنا‬     ‫القليل‪ .‬كان رتب في عقله أن يخبره بأمر من كانت‬
    ‫شوية‪ .‬دا العيال هيفرحوا بك أوى‪ ،‬طب ًعا بعد إذن‬  ‫تلد قرب البوابة ويسأله عمن تغني‪ ،‬لكنه جلس صامتًا‬
                                                     ‫وفكر‪ ..‬النساء يلدن منذ بدء الخليقة ولسن في حاجة‬
                                    ‫الحكيمباشى‪.‬‬
                                    ‫صاح مجدى‪:‬‬           ‫إلى أحد‪ .‬غ ًدا يدرج الطفل في شوارع القرية دون‬
‫‪ -‬روح جاك صداع نصفى يا شوربجي يابن الجارية‪،‬‬          ‫عون من أحد‪ .‬فلا تحويل إلى مستشفى مركزي وهو‬
                        ‫مش خايف يحسدك يا ولا‪.‬‬
            ‫وضحك الشباب الذين يعرفون الحكاية‪.‬‬           ‫سيفسد وحده‪ .‬بالوحدة‪ ،‬بالبلوغ‪ ،‬بسلطة المدرس‬
   ‫من زمن ومجدى يقوم بكل أعمال الطبيب هنا حتى‬         ‫أو العم أو الخال أو حتي سلطة الدين‪ ،‬بالعجز‪ ..‬غ ًدا‬
‫اعتاده الناس‪ .‬بل كلما تقرر نقله ذهب وفد من متعلمى‬
‫القرية إلى المسئولين في المدينة ليبقى‪ .‬سأله الطبيب‬       ‫يصبح (أبو عزة) كما حكاه له د‪.‬مجدي وسيتعلم‬
              ‫الجديد عن حكاية الحسد فقال مجدي‪:‬‬      ‫مهارة الاستمرار في الحياة‪ ..‬صراخ يوم تعلق المرأة‪،‬‬
    ‫‪ -‬الشوربجي ده ضربته جلطة وشلّت لسانه لكنه‬       ‫وصراخ يوم يلد‪ ،‬وصراخ متى جاء إلى الدنيا‪ ..‬صراخ‬
   ‫أظهر الشفاء منها في أيام مما يخالف كلام الكتب‪.‬‬
‫فضلت أزوره إلا أن زوجته حذرته منى فادعى الشلل‪.‬‬                                            ‫في صراخ‪.‬‬
‫قالت له‪ ..‬اعمل يا شوربجي إنك لسه مشلول‪ ،‬الدكتور‬        ‫جلس يستمع إلى د‪.‬مجدي وما يحكيه حول جميزة‬
    ‫عينه وحشه‪ .‬فقال لي الرجل بكل فصاحة‪ ..‬الشلل‬      ‫برتقانة‪ .‬هكذا يسمونها‪ .‬تلك التي عاشت مورقة صيف‬
‫رجع لي تاني يا دكتور‪ ..‬فأخذت أدواتي ومشيت وأنا‬       ‫شتاء‪ .‬في الصيف تطرح جمي ًزا‪ ،‬وفي الشتاء برتقا ًل‪.‬‬
                         ‫بضحك ع اللؤم الفلاحي‪.‬‬         ‫‪ -‬أول ما نزلو عليها بالفاس سابوها‪ ..‬ليه؟ انجرح‬
     ‫ويمضى مجدي في حكاياته‪ ..‬عن أنه كان يساير‬
       ‫الأولاد إلى نفس الوحدة الصحية وكانت مكان‬          ‫جذعها ونزفت دم‪ .‬وسمعها الناس تنادى‪ ..‬يابت‬
 ‫الجمعية الزراعية‪ ..‬بينما يحدق فيهم سائقو العربيات‬    ‫يابرتقانه‪ ،‬يا بت يام سره‪ .‬فتركها الناس في حالها‪.‬‬
     ‫القليلة في الفجر‪ .‬أولاد هزيلون صفر يستنفرون‬     ‫وصار المكان مزا ًرا يحج إليه حتى من هم في البلاد‬
 ‫يقظتهم بالتشاتم‪ .‬يلقونها في فتور‪ .‬أو برفع الجلباب‬
 ‫في وجه أية امرأة تصادفهم‪ .‬ولا تنزل إلا بعد سماع‬        ‫البعيدة حتى ليقال للعائد من زيارتها يا حاج‪ .‬مع‬
      ‫شتائمها أو تحذفهم بقذائف الطين‪ .‬وكيف كان‬       ‫ملاحظة إن الدم مش ف أي وقت ينزل منها‪ ،‬ف ليلة‬

                                                                                          ‫القدر بس‪.‬‬
                                                       ‫كان يعرف هذا الكلام الذى لم يدخل دماغه‪ .‬بل إن‬
                                                      ‫الجميع هنا يعتقدون بأن الملائكة تنزل والناس نيام‬
                                                    ‫يملأون هذا الخزان بجوارها‪ .‬وأن هذا الماء يشفى من‬

                                                         ‫كل الأمراض لذا لا يجيئون إلى الوحدة الصحية‪.‬‬
                                                       ‫مر رجل عجوز يضرب بعكاز لا حاجة له به‪ .‬قال‪..‬‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86