Page 78 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 78
العـدد 21 76
سبتمبر ٢٠٢٠
الاستماع إلى التمثيلية أي ًضا ،فهو يعيش ويعمل -لماذا؟
في دولة الإمارات العربية ،أما ابنتي الوسطى فهي كي أجيب لنفسي عن هذا السؤال ،كان لا بد أن أبدأ
تعيش مع زوجها بالقاهرة وليس لديها جهاز راديو
بأهلي :أمي وأبي وأخوتي وأخواتي .لكنهم رحلوا
لعدم احتياجها إليه حسبما قالت لي من قبل. جمي ًعا عن هذا العالم المدهش ،ولم يبق منهم الا
يتبقى ابني الأصغر الذي لا يهتم بغير مباريات كرة شقيق واحد يعالج الآن في أمريكا .ثم أتبعت الأهل
بالأصدقاء الحميمين فوجدت أنهم ماتوا جمي ًعا بلا
القدم العالمية وأفلام الرعب والخيال العلمي .إذن استثناء .أما من بقي منهم على قيد الحياة فهم لا
فليس هناك من دافع يدفعني إلى الاتصال بمخلوق يرقون إلى مرتبة الأصدقاء .يمكن تسميتهم بأي
ليشاركني الاستماع إلى عمل من إبداعي ،بذلت فيه مسمى آخر مثل «المعارف» .هؤلاء المعارف لم
من جهدي وطاقتي وعمري لأقدم من خلاله للناس يعد يهمني أمرهم ،سواء استمعوا إلى تمثيليتي أم
لم يستمعوا ،فض ًل عن أن اتصالي بهم قد انقطع
ما استطعت من فكر وفن. منذ زمن طويل ،فلم أعد أذكر أرقام هواتفهم ،كما
مقدوري أن أستمع إلى إبداعي وحي ًدا لا يشاركني أستبعد أن يكون لهم حساب على وسائل التواصل
في ذلك أحد من العالمين .من المؤكد أن سعادتي الاجتماعي ،فمعظمهم لا يعترفون بهذه الوسائل ولم
ستكون بلا طعم ولا معنى متى افتقدت المشاركة يفكروا في اجتياز بواباتها السحرية .حقيقة الأمر
أني لم أعد أرغب في الاتصال بهم ،رغم أني زاملت
الإنسانية ،فالسعادة لا تعني شيئًا ما لم يشارك بعضهم في الجامعة وبعضهم في العمل المهني
فيها الأحبة من الأهل والأصدقاء والعشيرة .هنالك وبعضهم في الوسط الأدبي والفني الذي مازلت
أنتسب اليه حتى اليوم ،بل وأعتز بهذا الانتساب.
فقط يصبح للسعادة طعم ومعنى. أتبعت الأهل والأقارب بأقرب الأقربين الى حياتي،
-ولماذا نسيت عشيرتك من أهل القلم؟ وهي زوجتي العزيزة التي لم تعد تقرأ مؤلفاتي
-لأن معظمهم ماتوا ،وأما من تبقى منهم فإن أو تستمع إلى تمثيلياتي أو تحضر ندواتي .هي
الغيرة تمنعهم من مشاركتي هذه اللحظات السعيدة، الآن في غرفتها ،وبابها مغلق عليها ،تتابع البرامج
فلا مبرر لأن أبلغهم بموعد السهرة فأثير أضغانهم التلفزيونية وتجري المكالمات الهاتفية مع أولادها.
وأحقادهم ،فض ًل عن ثقتي بأنهم لن يستمعوا إليها. لم تعد تنام معي في غرفة واحدة منذ زمن طويل
-فلماذا لم تعلن النبأ على الفيس بوك كما كنت بسبب شخيري المزعج أثناء النوم .فكرت أن أذهب
تفعل دائ ًما ،خاصة وأن عدد أصدقائك قد تجاوز إليها لأخبرها بهذا النبأ ،لكني رأيت أن أتحاشى
شعوري بالصدمة والخذلان حين تقول لي كعادتها
عدة آلاف؟
عندما سألت نفسي هذا السؤال تذكرت المئات من بابتسامة ذكية محبة:
الفقرات القصصية ،التي ملأت بها صفحات حسابي -أنا عارفاها .سمعتها من زمان .حلوة قوي
ثم لا تتحرك من مكانها ولا تسأل عن الراديو،
على الفيس بوك بعد أن اخترتها بعناية من بين فأضطر للعودة إلى غرفتي وإغلاق بابها عل َّي أنا
مؤلفاتي الروائية .تذكرت كلمات الإطراء والإعجاب الآخر .اعتدنا على ذلك منذ تزوج الأولاد ولم يبق
بالبيت غيرنا ،زوجين متحابين صامتين يقاومان
التي تجاوزت حدود الصدق إلى المبالغة ،والتي
تحمل قد ًرا كبي ًرا من المجاملة لسبب أو لآخر .كانت ملالة الزمن .ثم إن ابني الأكبر لن يستطيع
كارثة التنافس في ذلك الوقت تحيق بي ،مثلما كانت
محبة التميز تؤرقني ،فأندفع إلى إثبات الوجود
والتأكيد عليه بشدة ،رغم أنني أرى اليوم ألا أهمية
له على الاطلاق.
اليوم أسأل نفسي مرة أخرى :ماذا أستفيد بعد