Page 76 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 76
العـدد 21 74
سبتمبر ٢٠٢٠
بدرجة اهتمام لا تتجاوز الحيادية وأحيانا اللامبالاة،
وذلك بعد أن تجرعت ملالة الأحداث والأزمنة
والأمكنة والمخلوقات .لا أشعر بنفسي بعد ذلك الا
عند أذان الفجر الذي يصل إل َّي عبر ميكروفونات
زاعقة صارخة من المساجد الكثيرة المحيطة بالبيت.
عندما أصحو للصلاة لا أفكر في أموات أو أحياء،
وإنما أفكر في اللغز الأبدي والمعضلة الكبرى
لوجودي على قيد الحياة .أما عندما لا أجد ما
يروقني في التليفزيون ،فإي أتجه إلى الراديو وأفتح
محطة الأغاني أحيا ًنا ،أو محطة القرآن الكريم أحيا ًنا
أخرى.
كان اليوم جمعة ،ومن المعروف لجمهور
الإسكندرية وعشاق إذاعتها المحلية العتيقة أنه
في تمام العاشرة والنصف من مساء كل جمعة
تذاع سهرة تمثيلية درامية أو كوميدية تستمر
لمدة ساعتين .أحيا ًنا يذيعون ملخ ًصا مضغو ًطا في
ساعتين لأحد المسلسلات الدرامية الشهرية التي
سبق إذاعتها ولو من عشرات السنين.
منذ عشرات الأعوام عندما كانت تذاع سهرة تمثيلية
من تأليفي ،كنت أقلب الدنيا وأتصل بطوب الأرض
فر ًحا متباهيًا ،مطالبًا الجميع بالاستماع وإبلاغي
بالرأي بعد الانتهاء .لم تكن وسائل الاتصال
الاجتماعي الحالية قد ظهرت ،وكان الهاتف الأرضي
هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للاتصال .بعد انتهاء
التمثيلية لا ينقطع رنين جرس التليفون .الأخوة
والأخوات وأبناؤهم وبناتهم ومعظم الأقارب
والأصدقاء يهنئونني على العمل ويتمنون لي دوام
التوفيق والتألق والانتشار في دنيا الإبداع .أحيا ًنا
كنت أعد قائمة مكتوبة بالأسماء قبل إذاعة التمثيلية
بيوم على الأقل ،وأتصل بهم على فترات زمنية
متقطعة -تجنبًا للملل -لأحيطهم عل ًما باسم التمثيلية
وموعد إذاعتها.
اليوم وقد مضى ما يقرب من نصف قرن على بدء
إذاعة أعمالي بالإذاعة ،مازالوا يذيعون تمثيلياتي،
لكن أح ًدا من العاملين بالإذاعة لا يكلف خاطره