Page 84 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 84
العـدد 21 82
سبتمبر ٢٠٢٠
عادل عصمت
ثلاث قصص
في الطريق الخالي المحفوف بشجر جازورين تسكنه الحبس
الغربان بين قيادة اللواء والكتيبة. عبد الصمد زميلي في فترة التجنيد كان يحب
جارته .ذات يوم سمحت له بتقبيلها ،فوق سطوح
قبل أن ينهي الخدمة العسكرية بعدة أشهر ،كان يجهز الدار بين فجوات حطب الذرة ،قبلها بغشم وجرح
نفسه للإجازة ،فنام في الخدمة وحرم من الإجازة، شفتيها .مسحت الدم وفردت كفها أمام وجهه قائلة:
“هقولهم إيه دلوقتي؟” قال بسرعة“ :قولي لهم بحب
وكان عليه أن ينتظر الموعد الثاني للإجازات ،وقبل أن عبد الصمد ”.وضحكا ،احتضنها لكنها لم تسمع له
يغادر المعسكر بيوم واحد ،رآه القائد يمشي باتجاه
“الحملة” والباريه في يده ،فأعطاه خدمات زيادة بتقبيلها مرة أخرى.
وحرمه من الإجازة. يقضي أيامه في المعسكر مترقبًا أن يرجع إلى بلدته،
في تلك الفترة حدثت الأزمة الكبرى ،في منتصف وعندما تقترب الأجازة يتوتر ،ويصبح سريع الغضب،
الليل ،سمعت أزيز اليايات الصدئة لسريره ،أخرجت
رأسي من تحت البطانية .رأيته يجلس على طرف غير قادر على تحمل مرور الأيام .تصبح الأيام
السرير ويضع وجهه في راحتيه ،ويسند الكوعين “رخمة مثل آخر يوم في رمضان” .على حد تعبيره.
على فخذيه ،ويحدق بتركيز في الأرض.
سألته: يقول بحدة وغضب:
“ما لك يا ُعبد؟” “الأيام بتدلل عل َّي ،من امبارح لم يمر غير يوم واحد”.
قال بخشونة:
“لا أستطيع النوم”. أضحك من طريقته في التعبير:
رفع عينين بارقتين غاضبتين ،وقال: “والمفروض يمر كام يوم يا ُع َبد؟”
“لا أصدق أننا سنطلع من الجيش”. وعندما تحين أجازته يصبح ملهو ًفا ،يكاد أن يطير،
قلت له والنوم يغالبني:
“بطل عبط يا عبد الصمد ونام”. ينظر إل َّي بجدية ويقول:
ظل يحدق تجاهي بغضب ،فاستدرت وغطيت نفسي “والنعمة كلامك صح”.
بالباطنية وحاولت النوم .بعد قليل شعرت بالصمت ابتكر عبدالصمد فكرة جداول الأيام .واحتفظ تحت
مخدته بكراسة من كراريس الحساب المربعات،
كثي ًفا ،ولا حركة ،ثم سمعت شهقة مكتومة ،ثم نحيب. مقسمة إلى أشهر والأشهر إلى أسابيع والأسابيع إلى
نحيت البطانية ورأيت كيف مال بجذعه حتى وصل أيام .قبل النوم يخرج الكراسة ويبتسم ويشطب اليوم،
وأسمعه أحيانا يقول“ :غار في داهية” .يوم الفرح
في نهاية الشهر ،عندما يمزق ورقة الشهر ويطيرها