Page 88 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 88
العـدد 21 86
سبتمبر ٢٠٢٠
حاولت أن تتعايش مع هذا الارتباك ،وأن ترى ظهور إلى الباب ،منتظرة ظل الجريدة على زجاج الشراعة.
ظل الجرنال مثل لحظة سعادة مباغتة بعد يأس طويل. تحملها إلى المنضدة الصغيرة ،بجوار شرفة الصالة.
راحت تصبر نفسها بأن انتظار الجرنال سوف يزيد تعد فنجان القهوة ،الذي يرافق قراءة الجرنال
من شغف القراءة ،لكن هذا العذاب الذي قبلت به، ويمنحها تلك اللمسة من السعادة ،حتى يحين أوان
لم يكن منتظ ًما أي ًضا ،فالبواب لم يكن ملتز ًما بمكان العمل مرة أخرى في المطبخ مع آذان الظهر.
وضع الجرنال ،وهو ما لا يمكن التسامح معه ،وأحيا ًنا رسخ موت زوجها المباغت تلك العادة .لكن المشقة
يضرب الجرس فيثير في البيت الساكن تلك الرعشة بدأت عندما مرض عم سعد وترك كشك الجرائد
المعدنية الكريهة ،أو يدفع الجريدة من تحت عقب لابنه .نزلت إلى الابن وأخبرته بأن يترك الجرنال كل
الباب أو يتركها معلقة بين الضلفتين.
بعدما ترك البواب العمارة بسبب خلاف على أجره يوم ،في شراعة الباب ،مثل الوالد ،وحملته السلام
الشهري مع السكان ،أصبحت الجريدة مشكلة مرة وتمنياتها بالشفاء .لكن الولد لم يكن منتظ ًما .كان
ساقط ثانوية عامة ،كما قالت لنفسها ذات يوم ناقمة
أخرى .كانت متعبة من الحياة وحدها ولم تعد تتحمل
النزول كل يوم .اضطرت أن توصي بائعة اللبن أن عليه.
عانت كثي ًرا بسبب افتقادها لظل الجرنال على زجاج
تحمل لها الجريدة كل يوم ،وتعلقها في شراعة الباب، شراعة الباب في الموعيد المحددة ،وشكل هذا توت ًرا
لكن بائعة اللبن كانت تنسى فلم ينتظم الأمر .أخي ًرا
حل عم سيد المكوجي المشكلة ،عندما رآها تحمل وح ًّسا بأنها تعيش في واقع مهتز ،وأن الحياة بها
الجريدة في يوم شتوي ،وتمشى منحنية قلي ًل إلى شيء مرتبك .في تلك الفترة تصادف أن كانوا يبنون
الأمام تحدث نفسها .سألها عما ينزلها في هذا الجو،
قالت شاكية: العمارة الجديدة المجاورة ،وكان دق الحفارات
“من يوم ما “سعد” ساب كشك الجرايد لا أجد من وصوت الأوناش لا يتوقف ،فأكد ذلك شعورها بأن
يطلع لي الجرنال”. البيت يرتجف منذ اللحظة التي خطف الموت زوجها.
قال عم سيد إنه سوف يوصى صبي الدكان ،يطلع اضطرت أن تطلب من بواب العمارة -الذي لم تكن
لها الجرنال كل يوم .كانت المشكلة أن الصبي في
تحبه -أن يطلع لها الجرنال ،ويعلقه في الشراعة.
المدرسة ولا يعمل إلا بعد الظهر .ترددت قلي ًل خائفة أصبحت تقضي وقتًا طوي ًل ،جالسة وحدها في
من تغيير ميعاد قراءة الجريدة إلى المساء ،خائفة ألا
الصالة بجانب الشرفة ترتب جرائد الأيام الماضية
تحمل نفس الوقع وكأن الأخبار لن تكون لها نفس على منضدة صغيرة ،منتظرة أن يظهر ظل الجرنال
المصداقية ،لكن نصف العمى خير من كل العمى.
على شراعة الباب.
أخي ًرا وافقت مضطرة ،ونبهت عليه: في وقت الانتظار تحضر أحزانها وتشعر بالنقمة
“خليه يعلقها في شراعة الباب”. على زوجها لأنه مات وتركها وحيدة ،وتندم على
أنها رفضت كلام أختها بأن تستشير طبيب النساء،
تجلس الست “عايدة” ،على مقعد بجانب الشرفة. ليتها فعلت ،كان زمانها أنجبت طف ًل يؤنس وحدتها.
تتابع ضوء الشمس ينسحب عن العمارة المواجهة.
تنتظر ظهور ظل الجريدة على زجاج شراعة الباب قبل الانتظار وعدم انتظام ظهور ظل الجريدة أرهق
أعصابها ،فقد كان يحدث أحيا ًنا في الصباح الباكر،
أن تغرب الشمس. أو في العاشرة قبل الظهر ،وأحيانا كان يظهر بعد أن
تكون قد تعبت من الانتظار واستعدت لصلاة الظهر،
فتشعر بعناد وبحس بالغضب يكاد يمنعها من أن
تفتح الباب وتحمل مصدر البهجة الوحيد في اليوم.