Page 89 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                     ‫عزة بدر‬

                   ‫على الجانب الآخر‬

  ‫لو كان تلمي ًذا‪ ،‬وهل اسمه المركب هذا له شبيه؟ بدا‬   ‫أجلسـه إلـى جـوارى فـى البـاص‪ ،‬وقفـز مـن‬
 ‫اس ًما متفر ًدا فى غموضه‪ ،‬وخيره‪ ،‬وشره‪ ،‬يحمل على‬      ‫علـى سـلمه قبـل أن يتحـرك‪ ،‬أمـا هـو فقـد وضـع‬
  ‫كاهله قد ًرا من التساؤلات‪ ،‬ماذا فعل؟ وهل يمكنه أن‬   ‫عصـاه بيـن ركبتيـه‪ ،‬واعتمـد عليهـا بيديـه‪ ،‬وكانـت‬
                                                      ‫ذقنــه الحليقــة تتكــىء عليهمــا‪ ،‬كانــت إحداهمــا‬
   ‫يتصافى مع الرجل الغاضب؟ وكم عمره؟ وهل هما‬          ‫مجروحـة ومضمـدة بقطعـة مـن الشـاش التـى حـال‬
  ‫صديقان أم أن الصدفة وحدها قد جمعتهما؟ ولماذا‬
   ‫احتفظ باسمه من قبل‪ ،‬ولماذا قرر فى هذه اللحظة‬                             ‫لونهـا‪ ،‬آثـار عـرق وتـراب‪.‬‬
                                                           ‫لحظة‪ ،‬ومد يده إل َّى بهاتفه الجوال‪ ،‬قال‪« :‬تعرفى‬
                              ‫المتعجلة أن يحذفه؟‬
   ‫شغلنى كريم‪ ،‬أى نوع من الشخصيات هو؟ ولماذا‬                                           ‫تمسحى أرقام»؟‬
 ‫يمحو المرء إنسا ًنا من حياته؟ وهو بالذات فى حاجة‬       ‫قلت له بين ثنايا دهشتى‪ :‬أعرف أن أتصل فقط‪ ،‬ولا‬
  ‫إلى الآخرين‪ ،‬حتى ولو لمساعدته فى عبور الشارع‪.‬‬
    ‫ألحت عل َّى الأسئلة‪ ،‬تجرأت وسألته‪ :‬لماذا تريد أن‬                          ‫أعرف كيف أمسح الأرقام!‬
                                                        ‫سألنى مشي ًرا بيده إلى المقعد خلفنا‪« :‬واللى قاعدين‬
                                        ‫تحذفه؟!‬
       ‫قال وقد زم شفتيه قلي ًل‪« :‬لأن مالوش لازمة»!‬                                ‫فيه رجال أم نسوان؟”‬
                                                                                  ‫قلت‪ :‬رجل واحد فقط‪.‬‬
                           ‫قلت بإشفاق‪ :‬ماذا فعل؟‬          ‫استدار إلى الخلف‪ ،‬ومد يده بالموبايل “لوسمحت‬
‫اكتسى صوته رنة غاضبة‪« :‬اتصلت به ولم يرد عل َّى”‪.‬‬                                    ‫تعرف تمسح رقم؟”‬
                                                                                  ‫سأله بهدوء‪ :‬أى رقم؟‬
   ‫قلت له مواسية‪ :‬يمكن لم يسمع رنات الموبايل‪ ،‬أو‬                             ‫قال له‪« :‬كريم نجمة شمال»‬
  ‫كان فى مكان لا يمكنه الرد عليك‪ .‬أخشى أن تحذف‬        ‫أعاد إليه الموبايل‪ ،‬وهو يقول «مسحته»!‪ ،‬ومد يده إليه‬
                                                      ‫بورقة صغيرة ناولنى إياها وقال لى لقد كتبتها له فى‬
                                ‫صديقا بلا سبب‪.‬‬          ‫ورقة‪ ،‬يمكن ساعة غضب‪ ،‬ويتصافيان كوالد وولده‪.‬‬
        ‫قال بهدوء‪« :‬أنا أعرفه‪ ،‬أعرف هذا الشخص»‪.‬‬          ‫لم يتناولها الرجل الغاضب من يدى‪ ،‬واحترت ماذا‬
     ‫الأسئلة على طرف لسانى‪ ..‬ماذا فعل كريم نجمة‬
                                                                                             ‫أفعل بها؟‬
          ‫شمال؟ لكننى تحرجت من الأسئلة‪ ،‬تمهلت‬           ‫شغلتنى حكاية كريم نجمة شمال‪ ،‬لماذا يريد حذفه؟‬
      ‫قلي ًل ثم سألته «أنت حاسم إلى هذه الدرجة؟”‪.‬‬      ‫وماذا فعل ليستحق الحذف؟ تأملت الاسم‪ ،‬وخطر لى‬

                                ‫أجاب بثقة‪ :‬طب ًعا‪.‬‬            ‫خاطر عجيب‪ ،‬هل هو اسمه بالكامل أم ُكنيته؟‬
    ‫قبل أن أفكر فى سؤال آخر‪ ،‬لاحت محطته‪ ،‬نهض‪،‬‬         ‫بدا الاسم غريبًا‪ ،‬وفيه شىء من الطرافة‪ ،‬صرت أتأمله‬
                                                       ‫على مهل‪ ،‬وأتصور كيف ينادونه فى فصله الدراسى‬
            ‫تحرك وحده داخل الباص فى اتجاه بابه‬
      ‫الأمامى‪ ،‬لم يساعده أحد‪ ،‬هبط على سلم الباص‬
  ‫مستأن ًسا بعصاه‪ ،‬وعندما استقر مركزها على أرض‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94