Page 90 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 90
العـدد 21 88
سبتمبر ٢٠٢٠
أخبرته كم كان حزينًا ،وربما عنفته ،وقلت له إنه فى الطريق ،ووسط صخب السيارات ،توقف ،لا يعرف
مقام والدك إن كنت صغي ًرا ،وفى مقام أخيك إن كنت كيف يتحرك فى هذا العالم.
كبي ًرا. أوشك الباص أن يصعد الكوبرى ،امتدت يد عابر إليه
والجار للجار لو كنتما تسكنان عمارة واحدة أو حيًّا فاحتضن ذراعه بثقة ،وعبر به إلى الجانب الآخر.
واح ًدا ،وحتى يا أخى لو كنت عابر سبيل فى حياته التقط ُت أنفاسى ،تذكرت ابتسامته لليد التى امتدت
فالمروءة تقتضى أن تعينه ،تولانى غضب مفاجىء،
إليه فى عتمته ،واحتضنت ذراعه ،تذكرت عينيه ،وهما
توقفت فى منتصف الطريق ،أنقر أزرار هاتفى تدمعان ،وتتطلعان إلى البعيد ،كان الشارع يمتد
الجوال« ،آلو ..كريم نجمة شمال؟”.
بلا نهاية ،والعالم يتسع ،مددت يدى إلى
انتظر الصوت على الجانب الآخر قلي ًل كأننى أخذته هاتفى الجوال ،فكرت أن أجرب رقم كريم
على غرة ،أو فاجأته بما لم يكن يتوقع ،راعنى
نجمة شمال ،لم أكن أدرى ماذا
الصوت ،كان يشبه صفي ًرا عاص ًفا لامرأة غاضبة، سأقول له ،ربما أوصيته
«وأنت بقى مين يا نور عينى؟ ،أنا كريم نجمة شمال بالرجل الغاضب ،ربما
يا ننوس عينه ،أنا يا اختى النجمة شمال ،أنا يا
حبيبتى اللى هيشوف النجوم فى عز الظهر من بعدى،
ومن غيرى ،إنت مين بقى؟”.
أغلقت الخط ويدى ترتجف ،واستوقفت ما ًّرا فى
الطريق ،أكرر طلبى عيه بإلحاح “لو سمحت تعرف
تمسح أرقام؟” ،قال :نعم ،مددت يدى إليه بالموبايل،
وسألنى :رقم من؟
قلت دون أن أنظر إليه :رقم كريم نجمة شمال.
حدق فى وجهى بعمق ،أسئلة كثيرة تكاد أن تولد
فى عينيه ،أفكار كثيرة كانت تراوده لكنه لم يفصح
عنها ،أكاد أعرف دورة الأسئلة ،والأفكار وكيف تمر
بخاطره ،لكنه قال لى الرقم غير مسجل فى موبايلك.
انحنيت لألتقط الورقة التى فيها اسمه ورقمه،
أعطيتها له ،فمد يده بها إل َّى ،وهو يقول:
خلها معك ربما تتصافيان ،قلت :كوالد
وولده ،أبيت أن آخذ الورقة ،وأنا
أرتجف من الغضب والدهشة،
فدسها فى جيبه ،وقبل أن أبتعد
عن المكان ،رن فى أذنى صوته،
وهو يتكلم فى هاتفه المحمول ،كان
صوته عاليًا وغاضبًا ،وهو يقول:
آلو ..كريم نجمة شمال!