Page 114 - merit 43- july 2022
P. 114

‫العـدد ‪43‬‬   ‫‪112‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬

  ‫العظام سواء لغزاة أو لصوص أين بقية عظامهم؟‬          ‫عملها‪ ،‬إنها مثل الوجوه تتعدد بتعدد البشر‪ ،‬الوحدة‬
 ‫أين الرؤوس؟ أين الأقفاص الصدرية؟ أين سلسلة‬                ‫والتنوع فى أجل صورها‪ ،‬انظر لساحة معركة‬
 ‫الظهر أو العمود الفقرى؟ عندما تأكدنا من الموجود‬
 ‫والمفقود اهتزت الشوارب وارتعدت الأبدان‪ ،‬وتلفت‬           ‫بعد انحسار وطيسها‪ ،‬سوف تجد أجسا ًدا ذهبت‬
                                                       ‫منها الحياة‪ ،‬وأخرى تصارع لالتقاط أنفاس هواء‪،‬‬
   ‫الجمع إلى كل الاتجاهات‪ ،‬كان هنا خوف بالفعل‪،‬‬
  ‫ما حقيقة هذه العظام المكونة لسيقان وأقدام بشر‬            ‫ربما تعبر بها الجسر بين العدم والحياة‪ ،‬لكن‬
                                                          ‫المبتورين وحدهم سوف يسرقون منك الانتباه‪،‬‬
                                      ‫سابقين؟!‬            ‫فى البداية تنتر رأسك راف ًضا ذلك الانتقاص من‬
   ‫الغازى لص‪ ،‬ومقاومته واجبة‪ ،‬لأنه يريد انتزاع‬          ‫كمال الجسد‪ ،‬بعدها سوف تهرب عيناك بعي ًدا عن‬
                                                         ‫ما رأته من نقص‪ ،‬الاكتمال هو الصورة الأصلية‬
     ‫لقمتى وملبسى وبيتى منى‪ ،‬وكذا الأرض التى‬            ‫والمعتمدة المطبوعة فى تلافيف المخ‪ ،‬هزيمة الأقدام‬
 ‫ننتمى إليها‪ ،‬وتنتمى إلينا‪ ،‬صرخ واحد يمسك بين‬              ‫تعنى استسلام وضياع ممالك وبلدان‪ ،‬هزيمة‬
                                                          ‫اللص تعنى زوال نعمة كان سيحصل عليها‪ ،‬فى‬
   ‫يديه بجمجمة هى الوحيدة التى وجدت‪ ،‬وبعض‬             ‫الحالتين تكون الخسارة هى العلم المرفوع فى أرض‬
 ‫هلاهيل قماشية‪ ،‬واحتاجت إلى حفر أعمق‪« :‬آهى يا‬           ‫المعركة‪ ،‬المشكلة التى جرتنا لكل هذا المتن السابق‬
                                                          ‫هى أن أحد الناس نكت أديم الأرض فى الساحة‬
     ‫جداه‪ ..‬هؤلاء قتلوا وهم يقاومون اللصوص»‪.‬‬          ‫الواسعة المهملة خلف بيوتنا‪ ،‬فخرج فو ًرا من باطنها‬
       ‫كانت المسألة مربكة‪ ،‬أهم منًّا؟ أم من العدو؟‬        ‫سيف صدأ نصله‪ ،‬وقدم بقصبتها العظمية‪ ،‬بعد‬
                                                       ‫الفزعة الأولى‪ ،‬والتيقن من عدم الهلاك أو الإصابة‬
  ‫كان رد السؤال إجابة شافية مكتوب على هلاهيل‬
    ‫الملابس اسم «عبد الله المرسانى» مطرزة بخيط‬              ‫بخرق أو جرح‪ ،‬كانت الناس قد تجمعت عقب‬
      ‫أحمر قان‪ ،‬وعم الارتباك‪ ،‬والنظر نحو العظام‬          ‫صرخة الرجل المهولة عند ظهور السيف والقدم‬
                                                          ‫بقصبتها أو القصبة بقدمها‪ ،‬بعدها بان الكشف‬
‫أحضر البكاء والعويل‪ ،‬والكثير من العظة والاعتبار‪،‬‬       ‫عن أن الساحة كانت أرض معركة قديمة‪ ،‬ما تبادر‬
‫أزالها فو ًرا قول من أحدهم‪ ،‬كان كمن صب الماء على‬         ‫للذهن فى بداية الأمر أن هذه السيوف والتروس‬
‫نار‪ ،‬فأطفأ وقدتها‪ ،‬وظل دخانها يتصاعد فى المكان‪:‬‬         ‫والحراب التى أُخرجت عندما مارس الناس هواية‬
                                                      ‫الحفر‪ ،‬تكومت هذه الأسلحة فيما يشبه الجبل‪ ،‬اهتم‬
                                 ‫«العظام خليط»‪.‬‬          ‫الناس بكنس قطعة أرض وتسويتها‪ ،‬فى مساحة‬
  ‫فى نفس واحد سأل الجميع‪« :‬خليط ؟! ماذا تقصد‬           ‫تشبه المربع كوموا العظام فيه‪ ،‬وراحت مصمصات‬
                                                        ‫العجب والدهشة تملأ فضاء الأرض الواسعة‪ ،‬كل‬
                                    ‫يا فقرى؟!»‪.‬‬        ‫ما أخرجنا من عظام كانت كلها لسيقان مشكلة من‬
  ‫كنا ننبش فى العظام‪ ،‬ولا تعطينا تماي ًزا يمكننا على‬    ‫عظمة الفخذ والقصبة والشظية وجدناها‪ ..‬الركبة‬
  ‫أساسه أن نحدد إلى أى فئة تنسب‪ ،‬لم نرض بهذا‬          ‫والكاحل والقدم بعظام أصابعها وجدناها‪ ..‬أين بقية‬
  ‫الخاطر الذى ظل يتوارد على أذهاننا من أن اللص‬        ‫الهيكل العظمى لهؤلاء الناس الذين صاروا عظا ًما؟!‬
 ‫والضحية لهما عظام متشابهة‪ ،‬لا يمكن أن نستدل‬              ‫قال البعض‪« :‬هذه عظام أقدام جنود جيش كان‬

   ‫بشكل القفص الصدرى لأحدهما عن طبيعته‪ ،‬أو‬                      ‫يهجم على أجدادنا يريد سرقة أرضهم»‪.‬‬
  ‫عظام ذراعه من الترقوة نزو ًل إلى عظم العضد ثم‬       ‫هل كان هذا القول يريد إثبات ارتباط الغزو المزعوم‬

    ‫عظم المرفق أو الساعد لعظم الكعبرة‪ ،‬الأصل فى‬          ‫بهذا الحديث السابق عن اللصوص وسرقاتهم؟!‬
   ‫الاثنين هو الانتساب إلى الإنسان‪ ،‬كانت حيرة ما‬         ‫لو كان هذا‪ ،‬أتعنى أن كل الحروب التى دارت فى‬
  ‫بعدها حيرة‪ ،‬زادها حيرة حين أردنا تأمل العظام‬         ‫تاريخ البشرية كانت تدور فى فلك اللصوصية؟! يا‬
  ‫مرة أخرى لعلنا نجد اختلا ًفا يمكننا من التحديد‪،‬‬     ‫ناس لا تبتعدوا بثرثرتكم عن الفزع الأكبر‪ ،‬كل هذه‬
  ‫وجدنا العظام تتفتت بين أيدينا حين مسها الهواء‬
    ‫الطلق‪ ،‬لم نحصل فى النهاية إلا على تراب ينتمى‬
 ‫للأرض‪ ،‬وإلى الأرض يعود‪ ،‬ومع ذلك ظل السؤال‪:‬‬
  ‫أى أقدام سعت ولقيت حتفها دون جسدها هنا فى‬

                                    ‫هذا المكان؟!‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119