Page 119 - merit 43- july 2022
P. 119
117 إبداع ومبدعون
قصــة
طلباتهم التي ُيمكن تحقيقها دون انتقاص من
واجباتهم العسكرية؛ جندي ما زال يدرس في معهد
أو كلية بالانتساب ويستعد للامتحان .آخر يرغب
في زيارة والده المريض بالمستشفى ،ويحتاج راحة
24ساعة .وثالث يتمنى حضور زفاف شقيقته
الوحيدة في غير موعد إجازته ..ما المانع؟ تململ
الرقيب «عبد ربه» وعلق مستنك ًرا« :أنت ح تدلع
العساكر» .فقل ُت له« :ما المانع ونحن ملتزمون
بالضبط والربط؟» ،لقد تحايلنا على عيادة المستشفى
بخلوة شرعية ،مع محبوسي الكتيبة ،الذين يقضون
فترات حب ِسهم المُوجعة في أعمال شاقة ،وتظل
أغلى أمانيهم ،في حدود الظروف المتاحة ،أن نسهل
للمتزوجين منهم «أورنيكات» عيادة ،تقودهم لخلوة
شرعية بإجراءات شرعية.
متى أيقن ُت أن «الشبراوي عبده» أتعس هؤلاء
المحبوسين على قلتهم؟ كاد يرقص فر ًحا عندما
عرف أننا بلديات؛ قريته جزيرة الشافعي قريبة
من قريتي .صار يزورني كثي ًرا قبل طابور التمام
المسائي ،يحمل لي هداياه الصغيرة من مأكولات
ومشروبات المطبخ .لم يكن بيدي ما أقدمه له في
المقابل سوى تحقيق رغبته في أن أوزعه دو ًما على
المطبخ ،أهون طلبيات العمل للمحبوسين ،أو أقرضه
نقو ًدا قليلة عندما يكون مزنو ًقا ،لا أطالبه بها،
مع إصراره اعتبارها سل ًفا ودينًا .أقرأ له خطاباته
القليلة التي ترسلها له زوجته من القرية .تهزني
دموعه عندما يتذكر أطفاله ،أكفكف دمعه ،وأطيب
خاطره ،وأهون عليه لحظات الفراق والحرمان.
أقول له ضاح ًكا« :أنت السبب ..لماذا هربت؟»،
فيعض أصابع الندم .يغادرني وقد شغل تفكيري،
لم أفكر ،أو كان من الصعب أن أفكر في تطبيق
فكرة الخلوة عليه؛ هي وإن كانت تصلُح مع أبناء
القاهرة والجيزة والمدن المتاخمة للمعسكر ،وترم ُم
بالقطع جراح ووجع البعاد ،فإنها لا تصلُح بالقطع
أي ًضا مع أبناء البلاد البعيدة في بحري أو الصعيد.
كيف يتسنى له السفر والعودة في نفس الليلة قبل
طابور الصباح؟ من يجازف؟ الفكرة ُمستبعدة،
رغم معرفتي بمشاع ِره التي تهتاج بالحزن ،عقب
رؤيته لكل خلوة ُتتاح لزمي ٍل آخر بالمحبس .و َق َر في
ضميري ،بنو ٍع من التعاطف ،أن العقوبة الحقيقية