Page 116 - merit 43- july 2022
P. 116
العـدد 43 114
يوليو ٢٠٢2
هل ثمة علاقة بين هذه «الفوبيا» وسلوكه الحاد في جوافة! هل أخطأ النادل؟ أشر ُت له بيدي ،فتوقف
التعامل؟ عن الحركة الد ُءوبة للحظة بين الطاولات ،وقبل
استوعب ُت كيفية التعامل مع الدفاتر والسجلات أن أسأله ،ابتسم ،وأشار ناحية مقعد على الطرف
بسرعة ،بل إنهم فوجئوا باقتراحاتي -قبل الآخر من الرصيف ،وقال« :الحاج طلب لك عصير
استلامي العمل رسميًّا -لتنظيم وتحسين
جوافة» .أي حاج؟ سأل ُت بفضول.
العأمفلراالدم،كتفيب،ح ليصكلوكنلأكفثرر ٍد ُيعسلىًراحوقعهد ًدلومنعتذجممري أعو
شكوى ..فلا يشعر بظل ٍم أو غبن أو إقصاءُ .قوبلت (1976م)
الاقتراحات بتحفظ من الرقيب «عبد ربه» كالعادة.
بنو ٍع من التوا ُطؤ الإنساني ،اكتشف ُت أن المُساعد
وبقبول حسن من المساعد «رضوان» .انتهز «رضوان» -صاحب الظهر المو ُجوع ،رئيس المكتب-
«يوسف» الفرصة ،وترك لي «الجمل بما حمل» ،راح
يعر ُف .وأن الرقيب «عبد ربه» -المُوس َوس ،نائب
يتسكع بجنبات الكتيبة ومكاتبها قبل تسريحه من الرئيس -أي ًضا يعر ُف .أسر لي بهذا «يوسف
الجيش على سبيل الوداع.
الصعيدي» -جندي المكتب الذي ينتظر التسريح-
لاحظ ُت أن «عادل الكهربائي» -جندي مح ُبوس عندما رأى الدهشة تعلُو وجهي ،بل وضحك
بالكتيبة -يتردد على المكتب هذه الأيام كثي ًرا،
ضحكته المؤكدة ،وأضاف بلا مبالاة «الكل عارف».
يعرض خدماته المجانية بسخا ٍء؛ تنظيف المكتب، استحالت دهشتي لمزيج من الخوف والتساؤل،
إصلاح وصلة كهربائية معطلة ،جلب طعام طازج فمال عليَّ ضاح ًكا يطمئنني« :لا تقلق ..دي خلوة
من المطبخ ،غسل عدة الشاي وإعداده على سخان شرعية ،حالة إنسانية يعني ،وشغلنا سليم».
يدوي من ابتكاره ،بل ويستجيب مجار ًيا وراضيًا كجندي مؤهلات مستجد ،تم إلحاقي على كتيبة
هواجس «عبد ربه» ،ومساع ًدا في نقل مكتبه ،مكان
الخزانة تارة ،أو مكان مكتبي تارة أخرى ،حسب إمداد المياه ،وزعني قائد الكتيبة على مكتب الأفراد.
ُيفترض أن «يوسف» هو مدربي على أعمال المكتب،
أوامر الرقيب وحالته المزاجية .حتى جاء برفقة
جندى من السرية يحمل سلا ًحا .أفهمني «يوسف» لأتسلم منه المهام خلال شهرين قب ْيل تسريحه.
لم يكن الأمر مقل ًقا على كل حال؛ ُجل أعمال المكتب
كيف أكتب له «أورنيك عياده» ،لعرضه على كتابية ويسيرة؛ مجموعة من الدفاتر ،والدوسيهات،
المستشفى العسكري العام ،لتوقيع الكشف الطبي والمحفوظات التي رصها الرقيب «عبد ربه» بعناية
عليه .وكيف أسجل هذا في السجلات ،ومن ثم ُموسوس منظم -لا يستقر رأيه على حال -في
يوقعان أمامي بالعلم والاستلام بعد استيفاء باقي خزانة خشبية قائمة بدرفت ْين ،محاطة بثلاث
التوقيعات .أنجز ُت كل هذا .بعد أن تجاوز «عادل» مكاتب متقابلة ،موزعة بالحجرة؛ مكتب كبير ثابت
وجندي الحراسة الباب ،همس ُت لـ»يوسف» سائ ًل: للرئيس بجوار النافذة ،ناد ًرا ما يجلس أمامه
«عادل صحته حديد ..لماذا المستشفى؟» ،همس في المساعد «رضوان» ،بسبب جراحة العمود الفقري
أذني ضاح ًكا« :موجوع في حبله» ،وأضاف من بين التي أجراها عقب إصابته بشظية أثناء الحرب،
تستلزم منه تجنب المشاق ،والركون مجب ًرا لعمل
قهقهاته الصغيرة« :خلوة شرعية ..ادع له». مكتبي ُمريح ،قبل الإحالة للتقاعد .يقابله مكتبان
كان عليَّ أن أعرف بعد ذلك ،أن التواطؤ يسري أقل حج ًما ،لا يستقران طوي ًل؛ أحدهما للرقيب
ضمنيًّا -بنو ٍع من الشفقة -على أطباء المستشفى، «عبد ربه» ،المسكون بهواجس أيام القتال القاسية،
فلا أعراض أو أمراض شائعة ،يشخصون الحالة فيبادل موقعه مع الخزانة الخشبية تارة ،أو مع
مغص مفاجئ أو صداع طارئ ،العلاج مسكن المكتب الثالث الذي يخصني كميراث أميري من
أو مهدئ مع قليل من الراحة .لن يعود «عادل» «يوسف» بعد تسريحه ،وعودته لسوهاج تارة
مباشرة ،بل سيتوجه لشقته وأسرته بالجيزة.
نفس الشيء سيفعله صديقه جندى الحراسة. أخرى..