Page 121 - merit 43- july 2022
P. 121
119 إبداع ومبدعون
قصــة «رضوان» البلوى على مشجب الخلوة؟ الرغبة التي
نهش ْت حبل المحبوس بطول البعاد؟ فكر ُت أن أنكش
(1996م)
«عبد ربه» بالسؤال الذي ناوشني ،عندما همم ُت
انتبه ُت على حشرجة مكبر الصوت بالمحطة ،أخي ًرا بالكلام ،اقتحم المساعد «رضوان» الحجرة بوج ٍه
دخل أوتوبيس قريتي الموقف .نهضنا سو ًّيا، مكفهر ،يغلي ك ِم ْرجل ،حال ُه ُتغني عن سؤاله ،يتمتم:
«خي ًرا تعمل ..ش ًّرا تلقى» ،وهو يخبط سطح المكتب
سبقني على الباب المزدحم يحجز لي بجواره مقع ًدا، بقبضته المتشنجة .فدفن ُت رأسي خج ًل بين أوراق
ويدفع لي ثمن التذكرة .على الطريق ظل يحكى لي
الدفاتر.
ما حدث عقب هروبه .شرد ُت ،لم يعد لد َّي فضول بعد الحادية عشرة بقليل ،ظهر «النجار» يترنح
أو رغبة لمعرفة ما حدث .ماذا يهم أن أعرف الآن أن منه ًكا عند باب الكتيبة ،يجر قدم ْيه كجندي مهزوم.
هب الجميع لملاقاته ،كأنهم كانوا في انتظاره على
حال أسرته السيئ كان دافعه للهرب دون تفكير في أحر من الجمر ،اطمأنوا ،وحم ُدوا الله أن سلا َحه
معه ،فأعادوه للسلاحليك .أبعد المساعد «رضوان»
العواقب؟ أو شعوره بالذنب حيالي وحيال «النجار» المحيطين متناسيًا عموده الفقري المُ َرمم ،ليفش
غله في «النجار» ،فحال «عبد ربه» بينه وبين ذلك.
بعد هذه السنوات؟ أو كيف ألقت الشرطة القبض «النجار» يتكلم ،ولا أح ٌد يستمع لمبرراته .لكنه بعد
حلاقة شعره على الزيرو ،وتجريده من حزامه
عليه بعد ذلك ،وهو يضحك من غفلته وسذاجته، وبيادته وكابه كعر ٍف سائ ٍدُ ،زج محبو ًسا مكان
ليعود للكتيبة مرة أخرى ،يحرر «النجار» ويقضي الهارب ،لحين عودته أو القبض عليه.
عندما التقي ُت به فيما بعد ،وأنا أوزعه على المطبخ
باقي عقوبته كجندي قدوة دون أن يحظى بخلوة
مكان الهارب ،أخبرني أنه انتظر «الشبراوي»
شرعية أو غير شرعية ،بعد أن ألغى مكتب الأفراد مطمئنًا في الموعد المتفق عليه ،لما تباطأ ولم يأت .أكل
القلق صدره ،فركب دراجته النارية ،وتوجه للسؤال
الفكرة الإنسانية ملتز ًما بالإجراءات الصارمة؟!
كنت شار ًدا ،عندما توقف الأوتوبيس ،ونهض ُت عنه بجزيرة الشافعي .لم يكن موجو ًدا ،لا هو ولا
أتهيَّأ للنزول .وقف ُقبالتي ينظ ُر في وجهي بعين ْين أي أح ٍد من أسرته ،ولم يصل لشيء ،فتأكد من
ه ُروبه.
لامعت ْين مقيدت ْين بالدمع ،وهو يقول:
«سامحني يا أستاذ».
تحشرج صوتي ،فلم أجد ما أقوله ،وأنا أضمه
بساعدي لصدري مود ًعا.