Page 120 - merit 43- july 2022
P. 120
العـدد 43 118
يوليو ٢٠٢2
وجوههم القليلة ،لم يكن وجه «الشبراوي» بينهم، لفلاح مثل «الشبراوي» ،هي حرمانه من دفء
أسرته ،داره وحقله؛ الأرض والمسقى ،الحيوانات
وبالطبع لم يكن «النجار» بين جنود السرية .مر والطيور والخضرة .أمر أحيا ًنا بالقرب من المطبخ،
الصول «رضوان» أمامي ،ونظر نحوي متسائ ًل
أراه متس ًخا ،مهببًا .يراني فأفاجأ بسعادته
لائمة فتكدر ُت .غمرني عر ٌق غزي ٌر ،كأنني بنظرة الغامرة .يعزم عليَّ بإلحاح كأنه قاعد على مصطبة
بعد الطابور ،لم يكن هناك من قضية في ُمذ ِنب. داره بجزيرته ،وهو غارق بين أكوام الباذنجان،
والبطاطس ،والقلقاس ،والأرز ،وأقفاص الطماطم،
المكتب سوى غياب المح ُبوس وحارسه .انتشر
الهم ُس واللم ُز س ًّرا بين من عرفوا من جنود والبصل .كأن دخان المطبخ السحري ،مع هذه
الكتيبة .أقسم «عبد ربه» بيقين أن هواجسه لا الخضروات الطازجة ،يحمله لموضعه هناك بين
تكذب .والتزم المساعد «رضوان» الصمت ،كأنما الحقول.
يلوم نفسه قبلي .وجاء الضابط نوبتجي «يح َيى» ***
-عندما عرف -تار ًكا مكتبه ليسأل ،وتأكد من
سلامة الإجراءات ..هل نبلغ قائد الكتيبة ،أم
نسجل حادث الهروب في السجلات أو ًل؟ وماذا
دخل عليَّ مسا ًء بصحبة «محمد النجار» ،جندي
عن السلاح الذي بصحبة «النجار»؟ الأنظار تتنقل بلدياتنا ،يعمل نجا ًرا من قرية أبعد من قريت ْينا،
طلب مني ،وهو يكبح مشاعره ،أن أساعده بعمل
بأرجاء الحجرة ،مع أسئلة الضابط المرتدة ،ثم تصريح عيادة ،يمكن ُه من زيارة أسرته ،ويرجع في
عربة مخصوص قبل طابور الصبح .فوجئ ُت بطلبه.
تستقر على مكتبي العاجز ،بصفتي صاحب الم ُشورة قبل أن أرد عليه بالاعتذار منده ًشا ،عاجلني زميله
المهببة .طلب ُت بلسا ٍن مه ُزوم أن نتريث بأمل ،ننتظر بأنه موافق على صحبته كحارس ،طالبًا مني ألا
ساعة أو ساعت ْين ،ربما تأخ َرا بسبب المواصلات.
وافقوا مضطرين ،لم يكن هناك من ح ٍل آخر .ترك أقلق ،سوف يدبران أمر العودة بلا مشاكل.
لم يتحمس أح ٌد في المكتب للفكرة ،عندما طرحتها
الضابط كوب الشاي الذي قدمناه له حتى برد بتردد .اعترض الرقيب «عبد ربه» بهاجس طبيعي.
وعافته نفسه .مر الوقت بطيئًا محم ًل بقد ٍر هائ ٍل لكن المساعد «رضوان» فاجأني بالموافقة ،عندما
لمس حماسي وتعاطفي مع المحبوس ،كوني بلدياته؛
من التوتر ،والتكهنات ،والاحتمالات حول ما يمكن
أعرف طرق المواصلات ومواعيدها ،ولا خوف
أن يكون قد جرى .عل ْت الشم ُس ومض ْت عقارب من ضر ٍر طالما أن الإجراءات سليمة .قبل أن أبلغ
الساعة نحو العاشرة .طلب الضابط «يح َيى» أن «الشبراوي» ،ويجيئني بصحبة «النجار» جندي
نسجل بند «هروب من تحت التحفظ» ،وخرج الحراسة ،نجح ُت في تليين رأس «عبد ربه» ،حتى
قان ًطا .أبلغ قائد الكتيبة ،فاستدعى مسئولي مكتب وجد ْت حال المح ُبوس به بؤرة تعاطف ،عندما قارن
بينها وبين حاله مع طول فترات الغياب عن أسرته.
الأفراد .خرج المساعد «رضوان» وتبعه الرقيب
انهي ُت إجراءات العيادة بسرعة ،وقبل أن يخرج
«عبد ربه» مترد ًدا .ناوشني السؤال :هل لدى القائد «الشبراوي» من باب الكتيبة ،دسس ُت في جيبه
خلفية عن حكاية الخلوة؟ ورقة مالية .كاد يجذب يدي ليقبلها .همس ُت له
ناص ًحا أمام حارسه «النجار» ،ألا ين َسى نفسه بين
أمام باب مكتب القيادة ،تباطأ «عبد ربه» وتوقف،
اقترح أن يدخل المُساعد بمفرده ،حتى لا يختلفا أحبابه ،فيسرقه الوق ُت حتى الصباح.
م َضى اللي ُل ،وجا َء الصبا ُح سري ًعا .في طابور
أمام القائد ،طالما أن الإجراءات سليمة ،وأنه سينتظر التمام ،كانت السرايا واقفة .المح ُبوسون بسجن
الكتيبة واقفون في نهاية الطابور ،مسح ُت بناظري
خار ًجا أمر استدعائه ،إن كان ثمة حاجة إليه .تفهم
المُساعد أسباب «عبد ربه» ،وتركه قل ًقا يتنصت.
عندما عبر صو ُت القائد العالي الغاضب الباب
المُقفل ،توجس خيفة ،وتسلل بخفة عائ ًدا للمكتب.
جلس غار ًقا لأذن ْيه في هواجس متلاطمة ،لاذ
بالصمت .كيف يتقبل القائد ،المتوج بوسام رفيع،
فكرة هروب جندي من جنوده؟ هل ُيعلق المساعد