Page 115 - merit 43- july 2022
P. 115
113 إبداع ومبدعون
قصــة
محمد عبد الله الهادي
الخلوة
شيخوختها ،ودواليبها العتيقة ،فوق الطرق الترابية (1996م)
الملتوية بين القرى.
نظر ُت لزجاجة ساعتي ،فوجئ ُت بـ»الديداموني»
كيف صر ُت زبو ًنا مستدي ًما لكافتيريا المحطة؟ أمامي يضحك ،يمسح غطاء الطاولة بالفوطة
متى صار النادل «الديداموني» يتبسط معي بحكم
الباهتة ،ويضع كوب الليمون المثلج ،وينبهني« :لسة
الاعتياد؟ بدا الأمر عاد ًّيا بتواتر أيام الدراسة، بدري» .بادلته الابتسام ورفع ُت الكوب أتذوق
وخروجي من عملي المدرسي مره ًقا ،وبحثي عن
مقعد أستريح عليه حتى يأتي الأوتوبيس .يمضي العصير البارد .من أمام الكافتيريا ،ومع رشفات
وق ُت الانتظار بطيئًا ما بين تأمل المشهد الضاج العصير اللاذع ،رح ُت أتأمل المحطة المتربة المغبرة،
بالحركة ،أو الاستغراق في قراءة صحيفة اليوم،
أو الشرود مع الأفكار التي لا ينتزعني منها سوى التي تضج بالمارة ،والركاب ،وطلاب المدارس،
والباعة الجائلين بأصواتهم الممطوطة التي لا تكل
مسافر يعرفني؛ يتصادف وجوده بالكافتريا، ولا تمل ،والمتسولين اللحوحين بهلاهيلهم المرقعة،
فيصر على استضافتي .أو مسافر بلدياتي أعرفه، وماسحي الأحذية الأكثر إلحا ًحا بأعينهم المستجدية
فأعزمه على طاولتي .جمي ُعنا في قارب الانتظار للنعال المتربة في فوضى الزحام ،يدقون على
نحتال على الوقت الممل ،حتى لو تأخر الأوتوبيس صناديقهم الخشبية في ضجيج لا ُيطاق .لم يصل
عن موعده ،وكثي ًرا ما يتأخر ،فتتسع قعدة الرصيف أوتوبيس قريتي في موعده بعد .أتأمل شتى أنواع
بالمنتظرين ،وتتسع معها ابتسامة «الديداموني» مع وأحجام سيارات شركة الدلتا الصفراء ،الباهتة،
كثرة الطلبات ،وتنها ُر معها ُمفردات راتبي كمعلم بمقاعدها المهترئة ،تدخل وتخرج محملة بالركاب،
عبر حشرجة مكبر صوت عتيق -إذاعة المحطة-
بالتدريج. فوق كشك خشبي جانبي مائل و ُمتعب من طول
كان طعم الليمون ما زال بفمي ،عندما انتزعني الانتظار .سيارات للشركة بصحة جيدة ،ومظهر
«الديداموني» من شرودي ،وهو يرفع الكوب مقبول ،لعواصم المدن .وأخرى قديمة ،مريضة،
الفارغ ويضع مكانه كو ًبا آخر« :تفضل يا أستاذ»، انتهى عمرها الافتراضي ،ما زالت تتوكأ على
وينصرف .عصير جوافة؟ أنا لم أطلب عصير