Page 36 - merit 43- july 2022
P. 36

‫والإنسان واحد إلا أن‬                                   ‫العـدد ‪43‬‬                               ‫‪34‬‬
   ‫رغبة الجماعات بالتميز‬
                                                                               ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬       ‫الأمريكية في السنوات‬
     ‫والتصنيف هي رغبة‬                                                                      ‫الأخيرة من القرن الماضي‪،‬‬
 ‫متأصلة في صميم الجبلة‬      ‫التاريخ يخرج منه ولا تفني‬
                                ‫الحوادث ولا تستحدث‬                                               ‫وفي ذلك كتب أستاذ‬
      ‫الاجتماعية للشعوب‬                                                                    ‫العلاقات الدولية في جامعة‬
   ‫والحضارات‪ ،‬وتلك هي‬        ‫لكنها دائمة التغير والتبدل‬                                     ‫كولومبيا دافيد روثكويف‬
 ‫وظيفة الأيديولوجيا هوية‬    ‫والخلق والابتكار والتجديد‬                                       ‫قائ ًل‪« :‬إن الفرصة سانحة‬
 ‫الجماعة هي أيديولوجيتها‬
   ‫«وحيثما تختلج (نحن)‬        ‫والإبداع‪ ،‬والإنسان كائن‬                                         ‫أمامنا نحن الأمريكيين‪،‬‬
    ‫فستكون (أيديولوجيا)‬     ‫مؤرخ وله تاريخان؛ تاريخ‬                                         ‫فالولايات المتحدة في مركز‬
‫وحينما يتعذر قول (نحن)‬
   ‫لا تكون (أيديولوجية)‪..‬‬       ‫طبيعي ولا مصادفة في‬                                              ‫يسمح لها‪ ،‬ليس فقط‬
    ‫لأن ولادة أيديولوجية‬       ‫الطبيعة‪ ،‬وتاريخ وضعي‬                                          ‫بالقيادة في القرن الحادي‬
    ‫معناه ولادة جماعة(‪،)1‬‬   ‫ولا اختيار في فعل الإنسان‪.‬‬                                       ‫والعشرين بوصفها القوة‬
‫ومن هذه الرغبة في التمييز‬      ‫وحينما ننظر إلى مشكلة‬                                       ‫المهيمنة في عصر المعلومات‪،‬‬
 ‫بين نحن وهم‪ ،‬بين الذات‬                                                                      ‫بل أي ًضا بالقيام بذلك من‬
                                  ‫الصدام والحوار بين‬                                        ‫خلال تحطيم العوائق التي‬
      ‫والأخر‪ ،‬نبعت فكرة‬        ‫الحضارات نرى أنه من‬
‫الشعب المختار عند اليهود‪،‬‬    ‫الصعب الفصل على صعيد‬                                             ‫تقسم الأمم والجماعات‬
                            ‫الحياة الواقعية بين الصدام‬                                      ‫داخل كل أمة وبناء روابط‬
  ‫إذ إن الفكر اليهودي منذ‬   ‫والحوار‪ ،‬فالصدام والحوار‬                                         ‫قادرة على خلق مستودع‬
   ‫بدء التاريخ قسم العالم‬    ‫وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فكما‬                                        ‫دائم الاتساع من المصالح‬
‫إلى “أنا والأغيار‪ ،‬اليهودي‬      ‫أنه يصعب الفصل بين‬
 ‫والحوييم‪ ،‬وهذا الأخير لا‬    ‫السلم والحرب في التاريخ‪،‬‬                                          ‫المشتركة يتزايد حجمه‬
  ‫يمكن له أن يفهم التوراة‬    ‫ذلك لأن التاريخ هو تاريخ‬                                         ‫باستمرار» (ينظر‪ ،‬مجلة‬
 ‫ووصاياها”(‪ .)2‬وأن تكون‬        ‫حرب وسلم منذ أن قام‬                                          ‫الثقافة العالمية الكويت عام‬
  ‫متحض ًرا كان في الأصل‬         ‫قابيل بقتل أخيه هابيل‬                                          ‫‪ .)1996‬لكن التاريخ لم‬
   ‫يعني أنك تعيش في ظل‬      ‫حتى يوم الساعة‪ .‬والتاريخ‬                                       ‫يتوقف عند رغبة فوكوياما‬
   ‫القانون الروماني أو في‬    ‫صدام وحوار حرب وسلم‬
 ‫الحاضرة اليونانية‪ ،‬وكان‬      ‫والتاريخ واحد في حالتي‬                                           ‫والإدارة الأمريكية‪ ،‬بل‬
                            ‫الصدام والحوار وفي جميع‬                                          ‫ظل يمضي في سبيله من‬
      ‫أهل اليونان يميزون‬       ‫الأحوال‪ ،‬أحوال درجات‬                                            ‫الماضي إلى الحاضر إلى‬
‫أنفسهم عن سائر الشعوب‬           ‫الحرب وأحوال درجات‬                                             ‫المستقبل بوصفه حركة‬
 ‫الأخرى «البربرية” بأنهم‬
                                  ‫السلم وما بينهما من‬                                          ‫الكون كله؛ حركة أزلية‬
   ‫وحدهم أهل الحضارة‪،‬‬         ‫درجات التدافع والتنافس‬                                       ‫أبدية لا بداية لها ولا نهاية‬
      ‫وهي على أسلوب في‬      ‫والتعايش والتصالح‪ .‬وكما‬                                        ‫من جميع الجهات إلى جميع‬
     ‫الحياة والعيش متميز‬    ‫لا يوجد حوار بدون صدام‬
                             ‫في تاريخ الإنسان كذلك لا‬                                           ‫الجهات‪ ،‬وصراع أزلي‬
‫ومختلف عن الآخرين‪ .‬وقد‬        ‫يوجد صدام بدون حوار‪.‬‬                                         ‫أبدي دائم‪ ،‬إذ هو في حقيقة‬
   ‫حدد الأثينيون العناصر‬
   ‫الثقافية الأساسية التي‬         ‫وبالعودة إلى التاريخ‬                                          ‫الأمر رد فعل وتكيف‬
                                  ‫يمكن لنا الكشف عن‬                                          ‫بالتطور وتطور بالتكيف‪،‬‬
‫تع ِّرف الحضارة على شكل‬             ‫طبيعة الصراع بين‬                                         ‫واتخاذ موقف تزيده قوة‬
   ‫كلاسيكي‪ ،‬عندما أكدوا‬         ‫قوى الهيمنة الكبرى في‬                                         ‫في مواقع محمية وتزيده‬
                              ‫العصر الراهن‪ ،‬ورغم أن‬                                           ‫حماية في الصراع الدائم‬
                              ‫الكون واحد والعالم واحد‬                                       ‫لمقاومة الفناء والحفاظ على‬
                                                                                            ‫البقاء‪ ،‬ولا شيء يجيء إلى‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41