Page 123 - merit 42 jun 2022
P. 123

‫‪121‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫شملها‪ ،‬فصار الوالدان في بلد‬        ‫للكثير من المصريين ابتدا ًء من‬  ‫وغيرهم‪ ،‬وخرج هؤلاء كما دخلوا‬
   ‫والأبناء في بلد آخر سعيًا وراء‬   ‫نهايات خمسينيات القرن الماضي‬          ‫واستمرت المسيحية واليهودية‬
   ‫جمع المال‪ ،‬مع ما صاحب ذلك‬                                               ‫دينان لشعب مصر‪ ،‬ليعقبهما‬
 ‫من آثار وخيمة كانت هي البداية‬          ‫وصو ًل إلى يومنا الحالي‪ ،‬وإن‬     ‫الإسلام الذي كان دخوله مصر‬
‫لكثير مما نشهده اليوم من أزمات‬         ‫تراجع ذلك التألق والبريق إلى‬         ‫عام ًل مه ًّما في إعادة تشكيل‬
                                    ‫حد كبير في وقتنا الحاضر بسبب‬
              ‫اجتماعية وأسرية‪.‬‬         ‫عوامل متداخلة يطول شرحها‪،‬‬        ‫الهوية المصرية‪ ،‬ولكنه على الرغم‬
      ‫أما على الصعيد الديني فقد‬        ‫ولكنه ترك في المجتمع المصري‬          ‫من ذلك قد اصطبغ في مصر‬
      ‫قدمت إلينا أفكار مذهبية لا‬        ‫وغيره من المجتمعات العربية‬        ‫بصبغة خاصة تركت بصمتها‬
   ‫تخرج في مجملها عن التشريع‬          ‫التي ‪-‬اتخذ ابناؤها دول الخليج‬
‫الإسلامي العام‪ ،‬ولكنها في الوقت‬        ‫العربي وجهة في تلك الحقبة‪-‬‬        ‫عليه‪ ،‬ليصبح للإسلام في مصر‬
    ‫ذاته تختلف عن التوجه الذي‬       ‫آثا ًرا اجتماعية وسياسية عايشت‬     ‫مظه ًرا يختلف عن مظهره في باقي‬
   ‫كان سائ ًدا في التشريع الديني‬     ‫تلك الشعوب ومنها شعب مصر‬
 ‫الإسلامي لدى المصريين لقرون‬                                                             ‫بلاد المسلمين‪.‬‬
 ‫عدة مضت خلف قيادة المؤسسة‬                         ‫آثارها حتى الآن‪.‬‬       ‫ولم يكن الوجود العثماني وما‬
 ‫الدينية الأزهرية العتيقة‪ ،‬فأصبح‬         ‫لم تكن تلك التأثيرات مألوفة‬      ‫تلاه من غزوات أوروبية ليغير‬
 ‫الرأي الديني في المسائل المتنوعة‬       ‫لدى العديد من المصريين قبل‬
 ‫وعلى رأسها المسائل الاقتصادية‬         ‫ذلك‪ ،‬تأثيرات اقتصادية تمثلت‬           ‫من هوية المصريين الكثير‪،‬‬
     ‫والمالية وغيرها يجعل المسلم‬      ‫في رفع القوة الشرائية لقطاعات‬       ‫فهؤلاء قد استمروا مدتهم على‬
‫المصري العادي الراغب في توفيق‬       ‫مختلفة من الشعب المصري خلقت‬        ‫أرض مصر ثم رحلوا بأجسادهم‬
 ‫أوضاعه مع الشريعة الإسلامية‬           ‫حالة من الرفاهية الاستهلاكية‬    ‫تاركين خلفهم القليل من تأثيرهم‬
 ‫في حيرة من أمره بسبب ما يراه‬           ‫لم يعرفها المصريون من قبل‪،‬‬        ‫المعنوي الذي امتصه هو الآخر‬
 ‫من تضارب في مخرجات الفتوى‬
                                          ‫أ َّدت بدورها إلى خلق طبقة‬            ‫الوجدان المصري المرن‪.‬‬
             ‫بين هؤلاء وهؤلاء‪.‬‬         ‫جديدة داخل المجتمع المصري‪،‬‬          ‫أما خلال القرن العشرين فقد‬
 ‫ومنشأ ذلك الاختلاف يرجع إلى‬          ‫طبقة لم تكن تجد لها على أرض‬           ‫حدث تحول جديد في الهوية‬
‫أن الفقه الإسلامي يرتبط ارتبا ًطا‬    ‫مصر الفرصة التي تساعدها على‬         ‫المصرية‪ ،‬فبعد أن تألقت الهوية‬
   ‫وثي ًقا بظروف بيئته ومجتمعه‪،‬‬      ‫تحسين أحوالها‪ ،‬فنالت ما أرادته‬    ‫العربية في العهد الناصري‪ ،‬حدث‬
                                      ‫وأكثر منه‪ ،‬وخلقت على الجانب‬          ‫تحول نوعي سببته الأوضاع‬
   ‫وشتان بين ظروف المجتمعين‬            ‫المقابل طبقة من المصريين من‬      ‫الاقتصادية التي تلت ما خاضته‬
       ‫المصري والخليجي خاصة‬                                                ‫مصر من حروب أُجبرت على‬
                                         ‫ذوي العلم والخبرة والكفاءة‬       ‫خوضها أو اختارتها طو ًعا كما‬
  ‫فيما يتعلق بالمظاهر الاجتماعية‬        ‫الذين لم يجدوا فرصة مماثلة‬     ‫يرى البعض‪ ،‬فقد لجأ الملايين من‬
   ‫والحياتية‪ ،‬ومن هنا كان منشأ‬                                          ‫المصريين إلى الخروج من وطنهم‬
                                          ‫تضمن لهم المستوى المادي‬          ‫بحثًا عن مكان أفضل للحياة‪،‬‬
                     ‫الاختلاف‪.‬‬           ‫المرتفع نفسه ‪-‬أو لم يسعوا‬      ‫فألقى البعض عصا ترحاله غر ًبا‬
  ‫ولكن كل ما مضى ذكره أصبح‬             ‫لها‪ -‬فأصبحوا شبه مهمشين‬            ‫أو شر ًقا‪ ،‬لكن الأغلبية العظمى‬
‫أغلبه من الماضي الذي بدأت آثاره‬     ‫داخل الطبقة الوسطى التي أصبح‬         ‫من هؤلاء قد وجدوا في الهجرة‬
   ‫في التواري والاختفاء‪ ،‬مفسحة‬            ‫التهديد بغيابها عن المجتمع‬   ‫لدول الخليج العربي النفطية الحل‬
   ‫الطريق أمام حاضر ومستقبل‬                                              ‫الأمثل في نظرهم‪ ،‬نظ ًرا لانعدام‬
                                                     ‫المصري داه ًما‪.‬‬       ‫حاجزي اللغة والدين أو اللغة‬
    ‫مختلفين تما ًما‪ ،‬السيد والقائد‬        ‫الأثر الأخطر لتلك الهجرات‬     ‫فقط‪ ،‬وتفوق الوضع الاقتصادي‬
      ‫فيهما هو التوجه العالمي أو‬       ‫قد تمثل في الجانب الاجتماعي‬     ‫هناك عن نظيره المصري بمراحل‪،‬‬
                                    ‫بشقيه الأسري والديني‪ ،‬فقد كان‬      ‫فكانت هذه الدول هي أرض الحلم‬
  ‫(العولمة) كما عرفناها في باديء‬      ‫من المعتاد أن نرى أس ًرا تشتت‬
‫الأمر‪ ،‬وهو تغير غير مفاجئ‪ ،‬وإن‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128