Page 125 - merit 42 jun 2022
P. 125

‫‪123‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫فر ًدا كان أو أمة‪ ،‬فإن القاسم‬                ‫صمويل هنتنجتون‬              ‫أن التغيير سنة كونية لا مفر‬
  ‫المشترك بين البشر أفرا ًدا وأم ًما‬                                          ‫منها‪ ،‬لكن شتان بين التغيير‬
 ‫هو المصلحة المشتركة التي تراها‬           ‫يلزم ذلك أيا منا بتبني نظرية‬       ‫الذي يدفع المجتمع إلى التقدم‬
 ‫الأغلبية من ذوي العقول والرأي‬         ‫الآخر أو فعل ما يفعله‪ ،‬فكل فرد‬     ‫وبين الغزوالفكري ‪-‬عشوائيًّا أو‬
                                        ‫منا أمة في حدود نفسه إن جاز‬         ‫منظ ًما‪ -‬للعقول والأفكار‪ ،‬وهنا‬
     ‫الصحيح‪ ،‬وهذا في التوجهات‬                                                 ‫قد يتبادر سؤال من الواجب‬
  ‫والقضايا العامة‪ ،‬ولكن في نطاق‬          ‫التعبير‪ ،‬وإن أراد ذلك الفرد أو‬    ‫الإجابة عنه وهو‪ :‬ما الضير من‬
                                        ‫تلك الأمة أن تذاب الحدود بينه‬     ‫ذوبان الهويات والأفكار الخاصة‬
     ‫الخصوصية فالأمر يختلف‪.‬‬           ‫وبين نظرائه تما ًما ليكون الجميع‬        ‫بالشعوب بعضها في بعض؟‬
        ‫ونحن كمصريين أو غير‬           ‫ذوي توجه واحد أو رأي متطابق‪،‬‬         ‫والإجابة عن هذا السؤال تلزمنا‬
                                       ‫فذلك تع ٍّد سافر على حقوق الغير‬        ‫أن نتخيل وض ًعا قد اختلطت‬
   ‫مصريين‪ ،‬يجب علينا أن ندرك‬             ‫ينذر بالاستحواذ عليه حرفيًّا‪،‬‬       ‫فيه أفكار ومباديء أو ديانات‬
     ‫حقيقة هامة‪ ،‬وهي أن ضياع‬                                                ‫وثقافات سو ًّيا‪ ،‬قد يرى بعض‬
                                                                              ‫حسني النوايا في وضع كهذا‬
   ‫الهوية الخاصة بالفرد أو الأمة‬                                              ‫أنه سيخلق حالة من التوافق‬
       ‫وذوبانها سيورث الأجيال‬                                                ‫والتعايش السلمي العالمي بين‬
                                                                          ‫بني البشر‪ ،‬وما سيعقب ذلك من‬
     ‫المتعاقبة أزمة الاغتراب التي‬                                          ‫سيادة السلام وإنهاء صراعات‬
‫ذكرناها في بداية المقال‪ ،‬وهي أزمة‬                                        ‫كانت قائمة لعشرات السنين‪ ،‬لكن‬
                                                                           ‫الواقع المؤسف والتاريخ يقولان‬
 ‫يعايشها الكثير ممن استقروا في‬                                             ‫عكس ذلك‪ ،‬فالدول والشعوب لا‬
‫مجتمعات جديدة‪ ،‬وكان رد فعلهم‬                                               ‫تقاد بتلك النوايا الحسنة في تلك‬
                                                                         ‫الصورة المبسطة‪ ،‬وتاريخ البشرية‬
    ‫إما التقوقع الذاتي أو الذوبان‬                                         ‫خير دليل على ذلك لمن أراد النظر‬
 ‫التام في تلك المجتمعات‪ ،‬وكلاهما‬                                              ‫فيه‪ ،‬وفي أغلب الأحيان كانت‬
                                                                             ‫مظاهر ذلك التداخل والذوبان‬
   ‫في نظري صورة من التطرف‪،‬‬                                                  ‫الحضاري هما مقدمة لسيطرة‬
 ‫والمرحلة القادمة من ذلك الذوبان‬                                               ‫وسيادة أمة على أمة أو أمم‬
 ‫الحضاري هو اغتراب المرء داخل‬                                               ‫أخرى‪ ،‬دون نظر لتلك المباديء‬
                                                                             ‫السامية‪ ،‬ولا أعني أن (صراع‬
   ‫وطنه وهو الأمر المؤرق بالفعل‬                                                ‫الحضارات) كما أطلق عليه‬
                                                                         ‫صمويل هنتنجتون في نظريته هو‬
     ‫ثقافة الاستهلاك‬                                                      ‫أمر حتمي أي ًضا‪ ،‬لكن الذي أعنيه‬
                                                                           ‫أن الشعوب والحضارات عليهم‬
                                                                         ‫أن يتقبلوا التعايش سو ًّيا والتبادل‬
                                                                           ‫بأنواعه فيما بينهم مع ما بينهم‬
                                                                           ‫من اختلاف‪ ،‬تما ًما كما علينا أن‬
                                                                           ‫نقبل الأفراد الذين يختلفون عنا‬
                                                                             ‫داخل المجتمع الواحد دون أن‬
   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130