Page 259 - merit 42 jun 2022
P. 259
257 ثقافات وفنون
كتب
بكر أن الوطن هو البشر؛ لو أن كالفساتين القصيرة التي تنتهي المصري كله مسلمين ومسيحيين
الفرد فيه ثائر حالم يبحث عن بعد الركبة بشبرين مع الرأس ولهفتهم لرؤية «العذرا» .واللافت
تنميته وتطويره لسار الوطن على المكشوف.. أن الكاتبة أنهت الرواية أي ًضا بتلك
نفس الوتيرة ..والعكس صحيح.
وأن الوطن يقف على قدمين هما تسجل الكاتبة بعين المحب لمصر السنوات ،وبهذا الوصف البديع
الإنسان المرأة والرجل م ًعا ،فإذا التي تربت عليها كيف بدأ الحجاب للمجتمع المصري في الستينيات
ما كانا في علاقة صحية وم ًعا على
قلب رجل واحد؛ ثائران محبان ثم الخمار والنقاب في التسلل إلى قبل المد الوهابي.
للجمال كان الوطن في حالة تقدم رؤوس المصريات ..وكيف بدأ ***
لا شك أن الكاتبة سلوى بكر ذات
دائم.. التغير في طرق التفكير والانحسار التاريخ العريق الذي بدأته منذ
كتعبير عن مظاهر الانحدار لم الفكري والتضييق العقلي في أمور عام ١٩٧٩؛ تمتلك أدواتها الخاصة
توفق الكاتبة حين أقحمت عبارة التي تميزها ،وبخاصة اللغة
الحياة اليومية. السلسلة الرشيقة الراقية لغة
«غشاء البكارة الصيني” في يتضح كل ذلك بقوة في حديث
الرواية لأنه في ظني تعبير لا البطلة لنفسها أن هذه مصر التي السهل الممتنع.
يتناسب مع المرحلة التي تحدثت لا أعرفها حين تشاهد منزل أم في روايتها الأخيرة (فيلة سوداء
عنها سلوى بكر في روايتها ،حيث عرفة ،تلك المرأة التي كانت بمثابة
إنه سلعة حديثة للغاية ظهرت مع الممثل الرسمي للمد الوهابي إلى بأحذية بيضاء) تأخذ بأيدينا
عصرنا الحالي ،عصر الانترنت لنتجول معها في المجتمع المصري
ووسائل التواصل الاجتماعي، عقول المصريات..
ولم تكن متاحة في الثمانينيات. يتضح ذلك أي ًضا من خلال لتجعلنا نشاهد بأم العين كيف
علاقة الزوجين ،وزيادة مساحة حدث التغيير في مصر من قمة
*** الحلال والحرام في الحوار الثورة ..وقمة الرومانسية ..وقمة
من مظاهر الجمال اللافتة أن الذي يوجهه الزوج لزوجته، الجمال وقمة الحماسة؛ إلى قمة
الكاتبة تختم الرواية بنفس الجو ذلك الزوج الذي ابتلعته بالوعة
القاهري في ستينيات العصر النفط والمد الوهابي ،وتحول من الخمول ..والبلادة ..والفتور
الماضي الذي بدأت به روايتها، ثائر وطني محب للعلم والقراءة والقبح..
وكأنها تسرد قصيدة رائعة من والتغيير والتطور إلى داعيه
قصائد الشعر النثري الحديث؛ للحجاب ووقار الذقن ومنع البيرة هكذا بكل بساطة تفند ما حدث
ملابس والدتها وجارتها اليونانية في الأماكن العامة ..وغيره من بمصر من تغيرات سياسية
أشكال التدين القشري الظاهري،
أتينا ،وشعرهن المقصوص وتلميحاته المتنمرة ضد ملابس واجتماعية وجغرافية وأخلاقية
أو المرفوع برقي وشياكة، زوجته ورأسها العاري ومحاولة من خلال قصة حب عذبة
وملابسهن الجميلة المحتشمة رغم توجيهها للدين الصحيح كما في بدايتها؛ راقية كمصر في
أنها قصيرة لتصب في قلوبنا ه ًّما يراه ،بالنظرة الوهابية الجديدة
كبي ًرا ومرارة لاذعة لا يمكن أن التي حلت محل نظرته التنويرية الستينيات؛ ومن خلال متابعة
ينزاح ع َّما وصلنا إليه من قبح المتطلعة لمستقبل أفضل لمصر، القصة العاطفية تلك تتماس
فكري وأخلاقي ،وكأنها تؤكد ودعوته لإحلال احتفال العقيقة
على أنه لا مفر من العودة إلى قيم محل احتفال السبوع بمراسمه التغيرات التي تحدث للبشر مع
ومبادئ تلك الحقبة التاريخية المعروفة بمصر ،وغير ذلك من التغيرات التي تحدث في المجتمع،
مظاهر يتشبث بها كتابع للفكر لتسجل بدقة متناهية كيف تسلل
المهمة في تاريخ مصر
الوهابي وناشر له.. المد الوهابي بمنتهى اليسر إلى
في هذه الرواية تهمس لنا سلوى أعماق المجتمع المصري ،وكيف
بدأت جلسات المد الإسلامي
للنساء وإقناعهن بالتوبة عما بدر
منهن في الماضي من ظلام معرفي
إسلامي حين كان النساء يرتدين
الملابس المصرية الكلاسيكية