Page 262 - merit 42 jun 2022
P. 262

‫وساطته المتميزة بين إشارات‬       ‫يرى ريكور أن سرديات السيرة الذاتية‬
    ‫ورموز أخرى‪ .‬تقوم «تأويلية‬          ‫نجحت في البرهنة على أن المرور‬
‫الهوية السردية» على التاريخ بقدر‬       ‫من الحياة إلى السرد كفيل بجعل‬
‫ما تقوم على الخيال‪ ،‬فتحول قصة‬
   ‫الحياة إلى قصة خيالية‪ ،‬أو إلى‬     ‫حياة الكاتب أكثر معقولية‪ .‬لأن الذات‬
                                     ‫تأويل‪ ،‬ولأن تأويل الذات‪ ،‬بدوره يجد‬
                 ‫خيال تاريخي‪.‬‬
   ‫تندرج رواية «الكاسكا»‪ ،‬ضمن‬          ‫في السرد‪ ،‬وساطته المتميزة بين‬
    ‫منطق «الهوية السردية» التي‬        ‫إشارات ورموز أخرى‪ .‬تقوم "تأويلية‬
 ‫تحدث عنها بول ريكور في نصه‬          ‫الهوية السردية" على التاريخ بقدر ما‬
   ‫الزمان والسرد‪ .‬ويقتضي هذا‬         ‫تقوم على الخيال‪ ،‬فتحول قصة الحياة‬
‫المفهوم إشكالية التماسك أو البقاء‬    ‫إلى قصة خيالية‪ ،‬أو إلى خيال تاريخي‪.‬‬

    ‫في الزمان‪ ،‬من خلال التواجد‬            ‫التصميم‪ ،‬بين فرادة الفكرة‬    ‫تعاقبها الغريب والمفاجئ للراوي‬
    ‫داخل السرد‪ .‬إذ ُيؤلف السرد‬                       ‫وغرابة الانجاز‪.‬‬             ‫وللقارئ في آن واحد‪.‬‬
   ‫الخواص الدائمة لشخصية ما‪،‬‬
   ‫وهو ما نسميه هويته السردية‬        ‫‪ -4‬من الحياة إلى السرد‪،‬‬                ‫تستعير خيالها التصميمي‪،‬‬
     ‫من جهة بناء نمط من الهوية‬        ‫ومن السرد إلى الحياة‪:‬‬              ‫لتصميم خيال مكتوب‪ُ ،‬تصمم‬
    ‫الدينامية المتحركة والموجودة‬                                       ‫الشخصيات‪ ،‬كما ُتصمم فساتين‬
     ‫في الحكمة التي تخلق هويته‬        ‫لقد واجه الفيلسوف بول ريكور‬     ‫عرائسها‪ .‬فننتقل معها من تصميم‬
     ‫الشخصية‪ .‬فلا يمكن للهوية‬         ‫هذا الأمر عند انتهائه من تأليف‬    ‫مرئي‪ ،‬إلى تصميم لا مرئي‪ ،‬من‬
   ‫أن تكون فاعلة في التاريخ دون‬         ‫الجزء الثالث من كتابه الزمان‬    ‫خيال ُمتح ِّقق على القماش‪ ،‬نحو‬
                                                                         ‫خيال فظيع يكاد ُيصبح حقيقة‬
                ‫روايته وسرده‪.‬‬            ‫والسرد (‪ .)1985‬فكان عليه‬         ‫محسوسة‪ .‬قد لا نفرق ونحن‬
    ‫لقد كان على رجاء الرايس‪ ،‬أن‬        ‫أن يحل المشكل التالي‪ :‬كيف يتم‬    ‫نقرأ ما تكتبه رجاء الرايس بين‬
                                       ‫طرح فرضية الدمج بين السرد‬       ‫حركة «الق ّص» الخاصة بالسرد‪،‬‬
      ‫تعيش هذه الهوية «سرد ًّيا»‬     ‫التاريخي والسرد الخيالي؟ بمعنى‬
  ‫فتحول قصة حياة «غالية» بطلة‬         ‫كيف يكون المرور من الحياة إلى‬         ‫عن حركة «الق ّص» الخاصة‬
   ‫الرواية الى قصة خيالية‪ .‬ولكن‬         ‫السرد ومن السرد إلى الحياة؟‬        ‫بالتصميم‪ ،‬نفس المقص الذي‬
                                     ‫ويرى ريكور أن سرديات السيرة‬      ‫قص الرواية إلى مشاهد‪ ،‬هو الذي‬
    ‫تظل «غالية» حاملة للكثير من‬       ‫الذاتية نجحت في البرهنة على أن‬     ‫صمم الشخصيات وفساتينها‪،‬‬
    ‫هموم رجاء الرايس‪ ،‬أو كأنها‬       ‫المرور من الحياة إلى السرد كفيل‬        ‫ونفس الحياكة الغريبة التي‬
  ‫ضميرها المستتر في الرواية‪ ،‬أو‬      ‫بجعل حياة الكاتب أكثر معقولية‪.‬‬        ‫حاكت التصميمات‪ ،‬هي التي‬
   ‫وجعها القديم الذي يتكلم بد ًل‬                                          ‫حاكت الأحداث على نحو جمع‬
                                        ‫لأن الذات تأويل‪ ،‬ولأن تأويل‬   ‫بين الماضي والحاضر‪ ،‬بين الواقع‬
      ‫عنها‪ ،‬فتسكت رجاء الرايس‬            ‫الذات‪ ،‬بدوره يجد في السرد‪،‬‬    ‫والخيال‪ ،‬بين توهج اللون وتميز‬
      ‫في الواقع‪ ،‬لتتكلم في الرواية‬
     ‫عن نفسها وعن وجع وطنها‬
       ‫باستعارة ضمائر مختلفة‪.‬‬
   ‫كل هذه الضمائر‪ ،‬الغائبة حينًا‬
 ‫والحاضرة حينًا آخر‪ ،‬تبعث فيها‬
    ‫رجاء الرايس حياة مختلفة في‬
‫كل مشهد‪ ،‬ل ُتباغت القارئ‪ ،‬ف ُيمثِّل‬
   ‫الضمير المستعار أو الشخصية‬
 ‫موق ًفا جدي ًدا‪ ،‬على جهة مسرحته‪،‬‬
   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267