Page 264 - merit 42 jun 2022
P. 264

‫الكنز‪ ،‬وفي الأثناء تصيبهم أهوال‬                               ‫العـدد ‪42‬‬                           ‫‪262‬‬
   ‫عديدة‪ ،‬موت وأحزان‪ ،‬وفراق‪،‬‬
                                                                             ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬       ‫سبر أغوارها وعقدت فتائلها‬
 ‫جنون‪ ،‬ومصاعب ج َّمة‪ .‬يمارس‬                                                                    ‫بمهارة فاتنة‪ .‬لذلك لا يمكن‬
  ‫الساحر حرفة التخفي في شكل‬          ‫‪ -7‬كاسكا‪ ،‬قصة من عبق‬                                ‫للقارئ أن يتحرر من عبء الرواية‬
                                     ‫الماضي‪ ،‬تكفر بالخرافات‪:‬‬                                 ‫إلا إذا انتهى من قراءتها‪ .‬لكنه‬
    ‫شيخ مسن‪ ،‬ويواصل تأثيره‬                                                                  ‫يجد نفسه في الأسطر الأخيرة‬
  ‫على كل العائلة وتظل الجنيَّة في‬        ‫تشكلت أحداث الرواية ضمن‬                          ‫يطلب المزيد من السرد‪ ،‬ولا َي ْن َفك‬
  ‫سجنها‪ .‬يقرر أصلان في الآخر‬                ‫مزيج من الروائح‪ :‬روائح‬                        ‫يتساءل مطالبا الراوية بأن تعود‬
                                                                                           ‫به إلى نوستالجيا البداية‪ ،‬أو إلى‬
    ‫مغادرة المزرعة التي سكنتها‬         ‫البخور والحناء‪ ،‬روائح الأرض‬
 ‫الأشباح والخرافات نحو المدينة‬        ‫المحروثة خري ًفا‪ ،‬والجافة صي ًفا‪.‬‬                          ‫فنطازيا الحكي الغرائبي‪.‬‬
 ‫ُصحبة أولاده‪ ،‬بينما ُتق ِّرر غالية‬                                                              ‫ليس الزمان المروي زما ًنا‬
 ‫الاستمرار في العيش في المزرعة‬           ‫تستظ ُّل حروف الرواية تحت‬                            ‫للشخوص فقط‪ ،‬ولكنه زمان‬
                                       ‫ظلال التين والزيتون‪ ،‬تستمتع‬                          ‫رجاء الرايس‪ُ ،‬تفصله وتقيسه‪،‬‬
   ‫ب ُمفردها رغم ُمحاولات ابنتها‬     ‫بشكشكة الشاي في الكؤوس التي‬                               ‫لكنها تسلمه للكتابة بعد أن‬
    ‫العديدة في جلبها إلى منزلها‪.‬‬      ‫تدور في ميعاد النساء والرجال‪،‬‬                           ‫تمرره على ملكة التخييل‪ ،‬ثم‬
‫تمسكت غاية بالأرض وبالتاريخ‬            ‫صبا ًحا أو مساء‪ ،‬تتم َّدد المعاني‬                  ‫تعبره جيئة وذهابا‪ُ ،‬تفتت و ُتفكك‬
     ‫وبالمزرعة‪ ،‬ولم تكن تريد أن‬         ‫السردية فوق نعومة الصوف‬                                 ‫عناصره ل ُتعيد تركيبه على‬
    ‫تخسر سنوات الكفاح في تلك‬         ‫الذي افترشوه أر ًضا وأحاطوا به‬                          ‫الشخصية التي أمامها وكأنها‬
 ‫الأرض التي احتوتها‪ .‬لم تتمكن‬                                                             ‫تقيس فساتينها أمام عارضاتها‪.‬‬
  ‫غالية من نسيان ذاكرة الألوان‬                  ‫بيوتهم‪ ،‬تدفئة وزينة‪.‬‬                        ‫فهل العارضة هي التي ترتدي‬
     ‫التي انتشرت في المنزل‪ ،‬ولا‬         ‫َر َّصفت رجاء ال َّرايس روايتها‬                      ‫الفستان أم الفستان هو الذي‬
 ‫روائح العبق التي ظلت متواترة‬           ‫وج ًعا ناز ًفا‪ ،‬هكذا ُولدت رواية‬                  ‫يرتديها؟ أي هل الشخصية التي‬
 ‫الحضور في كل تفاصيل المنزل‪.‬‬                                                                 ‫ترتدي الدور‪ ،‬وكذلك الزمان‪،‬‬
    ‫انتصرت على الخرافة بالعمل‬               ‫«الكا ْسكا»‪ .‬طبقات سميكة‬                       ‫أم أن الأدوار والأزمان هي التي‬
   ‫وصرخ جسدها النازف وسط‬               ‫و ُمتواترة من الأوجاع‪ ،‬تكدست‬                          ‫ترتدي الشخصيات وتختارها‬
   ‫دماء الغدر والخيانة والغربة‪،‬‬                                                           ‫بعناية؟ لا ُيمكننا أن نفهم حقيقة‬
  ‫«لكنها صيحات مختلفة‪ ،‬ليست‬              ‫على بعضها بلا نظام‪ ،‬تداخل‬                          ‫تشكل الحدث والزمان العجيب‬
 ‫صيحات حنين للماضي‪ ،‬ليست‬              ‫فيها الخرافي‪ ،‬بالمُعاش‪ ،‬والواقعي‬                      ‫على الشخصية‪ ،‬دون أن تكون‬
  ‫صيحات استسلام للواقع‪ .‬إنها‬                                                                 ‫الأرضية الخاصة بالشخصية‬
 ‫صيحات الأمل‪ ،‬بل إنها صيحات‬             ‫بالمتخيل‪ .‬تبحث «الكاسكا» في‬                            ‫متهيئة لذلك‪ .‬فتختار الجنية‬
                                       ‫زمن الخرافات والأساطير‪ ،‬عن‬                           ‫الفاتنة زيارة أصلان في المنام‪،‬‬
                     ‫الانبعاث»‪.‬‬       ‫الجنية التي سلبت عقل أصلان‪،‬‬                            ‫وتختار عشق خالد في الخفاء‪،‬‬
   ‫نعم‪ ،‬انبعثت غالية من الركام‪،‬‬         ‫وزارته في حلمه‪ ،‬فتنته وطلبت‬                       ‫ويختار الساحر ترويض عقاربه‬
                                        ‫منه تحريرها من سجنها‪ .‬ولمَّا‬                          ‫وعفاريته مستن ًدا إلى طاقاته‬
     ‫ركام نهاية الخرافة‪ .‬انبعثت‬         ‫نهض من نومه تقع عيناه على‬                         ‫السحرية‪ .‬أما جارة غالية فتتفنن‬
    ‫غالية من وجع الغدر الغائر‪.‬‬        ‫معطفها الذي تركته له في الحلم‪.‬‬                            ‫في فك الرموز والأحجيات‬
  ‫ووقفت على أطلال الحكاية بعد‬                                                                ‫الخرافية‪ ،‬في حين ُتبدع غالية‬
    ‫أن غادر الجميع المزرعة‪ .‬أما‬          ‫ستظهر الفتاة المسحورة ليلة‬                         ‫في دفع البلاء والعين بممارسة‬
   ‫هي فشمرت على ساعد العمل‪،‬‬              ‫اكتمال القمر على هيئة ثعبان‬                       ‫طقوسها وتعويذاتها‪ ،‬وفي جلب‬
   ‫واقتلعت صخرة الخرافة التي‬             ‫ُمخيف و ُمرعب‪ ،‬وينبغي على‬                          ‫التبريكات والطاقات الايجابية‪.‬‬
   ‫نبتت في أرضها‪ ،‬وأحرقت كل‬               ‫أصلان أن يلقي المعطف على‬
    ‫التفاصيل المرتبطة بأسطورة‬            ‫الثعبان دون خوف أو تردد‪،‬‬
‫الجنيَّة‪ /‬الثعبان‪ ،‬وقاومت هجران‬       ‫حتى تتحرر الجنية التي حبسها‬
                                        ‫الساحر وجعلها حارسة للكنز‬
                                     ‫المدفون قرب الصخرة‪ .‬لن يتمكن‬
                                      ‫أصلان بمفرده من إتمام المهمة‪،‬‬
                                          ‫وسوف يغري عائلته بمهمة‬
                                         ‫تحرير الجنية والحصول على‬
   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269