Page 268 - merit 42 jun 2022
P. 268

‫العـدد ‪42‬‬                             ‫‪266‬‬

                                  ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

    ‫ماذا لو لم يتزوج هذا المحرم‪،‬‬          ‫التغاضي عما حدث تجنبًا‬        ‫كما أن شريحة لا يستهان بها من‬
  ‫من تلك المعلمة؟ وماذا لو ألغيت‬                        ‫للمشاكل‪.‬‬          ‫الوطنيين لا يروقها نظام الكفيل‬
 ‫إعارتها أص ًل؟ ألم يكن هذا أسلم‬                                            ‫هذا‪ ،‬وثمة أسئلة عديدة يمكن‬
                                    ‫‪ -‬تمكن الانزعاج من الوطنيين‪،‬‬
                      ‫لكليهما؟!‬        ‫زعق أحدهم‪ :‬تغاضيك يعني‬           ‫طرحها حول استمراره‪ ،‬ليس نق ًدا‬
 ‫ونفس الأمر مع المحرم «شكري»‬                                               ‫لنظام بعينه‪ ،‬بقدر ما هو تأمل‬
 ‫الذي فقد امرأته في حادث تورط‬      ‫رحيلك عن المدرسة‪ ،‬وعن تثليث‪،‬‬
                                            ‫وربما عن المملكة كلها‪.‬‬       ‫تلقائي لظواهر أي مجتمع يعيش‬
       ‫فيه بنفسه‪ ،‬وشاب شعرنا‬                                                                 ‫المرء فيه”‪.‬‬
‫‪-‬كمصريين بتثليث‪ -‬حتى جمعنا‬            ‫‪ -‬قال آخر‪ :‬رحيلك أشرف لك‬
 ‫له تعويض المتعاقدة‪ ،‬التي تهشم‬                              ‫ولنا‪.‬‬        ‫ينسج فكري داود حبكته من تلك‬
‫حوضها في الحادث‪ ،‬وظلت تتنقل‬                                               ‫الشبكة المعقدة من العلاقات بين‬
                                    ‫‪ -‬ختم المدير بأسى‪ :‬الحقيقة أن‬          ‫شخصيات يبدو أغلبها مش َّو ًها‬
  ‫بين مستشفيات المملكة للعلاج‪،‬‬    ‫الرجل لطمنا جمي ًعا‪ ،‬وأنت لا تملك‬     ‫بدرجة أو بأخرى نتيجة للأوضاع‬
      ‫بعد رفض محرمها التنازل‪.‬‬                                              ‫الاستثنائية التي فرضت عليهم‬
                                    ‫وحدك حق التغاضي أو التنازل‪.‬‬
 ‫إنها مجرد أسئلة‪ ،‬حاولت إيقاف‬       ‫‪ -‬التصق لسان الأردني بسقف‬               ‫أو فرضوها هم على أنفسهم‪،‬‬
    ‫سيلها‪ ،‬رغم علمي أنها عديمة‬                                                 ‫فيعرض موقف المتعاقدين‬
     ‫الأهمية‪ ،‬بعد كل ما جرى؟»‪.‬‬           ‫فمه‪ ،‬ولم يتفوه بلف ٍظ ثا ٍن”‪.‬‬
                                   ‫بل إن التشوه يكون أكثر عم ًقا في‬        ‫الراغبين في الاندماج بشكل أو‬
‫حرص فكري داود على أن يعرض‬                                                   ‫بآخر في مجتمع الوطنيين على‬
 ‫صورة متوازنة للوطنيين‪ ،‬فمنهم‬                  ‫شخصيات المحارم‪:‬‬             ‫حساب هوياتهم الأصلية‪ ،‬ذلك‬
                                         ‫“بعد مغادرة الكابينة‪ ،‬عاد‬
    ‫المتسامح كشخصية «سعود»‬           ‫“سعفان” ليقول بنبرة حزينة‪:‬‬               ‫الاندماج الذي يبدأ بتغيرات‬
                  ‫مدير المدرسة‪:‬‬       ‫ألم أقل لك‪ ،‬إنه لا أحد بقريتنا‬        ‫شكلية‪“ :‬في طريقي إلى هبوط‬
                                       ‫يهمه أمرنا‪ ،‬أو ينتظر نزولنا؟‬        ‫السلم‪ ،‬لاحظت ازدياد الزحام‪،‬‬
‫“‪ -‬أطلق “نادر” زغرودة كأجدع‬               ‫‪ -‬ماذا حدث يا (سعفو)؟‬            ‫ساعدتني خبرة عامين سابقين‬
  ‫ست‪ ،‬قال‪ :‬هذا من سيزرعني يا‬          ‫‪ -‬أكمل‪ :‬كلهم هناك لا يروني‬         ‫على تمييز قدامى المتعاقدين الذين‬
               ‫عبيط‪ ،‬لا يخلعني‪.‬‬     ‫إلا بعين النقصان؛ لقبولي السفر‬        ‫اعتادوا تقليد الوطنيين‪ ،‬بارتداء‬
      ‫أكمل‪ :‬مديرنا اسمه «سعود‬          ‫محر ًما دون عمل‪ ،‬مثل ربات‬        ‫الجلاليب البيض وتغطية الرؤوس‬
     ‫النجراني»‪ ،‬نسبة إلى نجران‬                                             ‫بالغتر المخططة‪ ،‬والشباشب أم‬
  ‫بجنوب المملكة‪ ،‬يعرف ربنا حق‬                             ‫البيوت‪.‬‬         ‫فتحة خاصة بإبهام القدم‪ ،‬فيما‬
  ‫المعرفة‪ ،‬له قلب طيب وعادل‪ ،‬لا‬         ‫‪ -‬لكنك تعمل يا “سعفان”‪.‬‬         ‫يتلاعب التوهان بالجدد‪ ،‬ككتاكيت‬
         ‫ينحاز إلا لمن يستحق”‪.‬‬     ‫‪ -‬أنا في الحقيقة (أناوش)‪ ،‬ككلب‬          ‫مبلولة خارجة للتو من البيض‪،‬‬
      ‫“كنت قد اعتدت على طريقة‬     ‫غريق يتعلق بقشة‪ ،‬عله يدرك البر‪.‬‬          ‫ما زالوا ببناطيلهم وقمصانهم‬
       ‫“سعود” الدمثة‪ ،‬كلما أراد‬        ‫‪ -‬نهرته بكل جدية‪ :‬أي كلب‬         ‫المصرية‪ ،‬أو السورية‪ ،‬أو الأردنية‪،‬‬
     ‫مفاتحتي في شيء يخصني‪،‬‬            ‫يا رجل؟! اتق الله ولا تستهن‬
                                                                              ‫أما السودانيون فسمتهم لا‬
‫وحمرة وجهه وطلبه الانفراد بي‪،‬‬                             ‫بنفسك‪.‬‬        ‫تخطؤه عين‪ ،‬تحيط برؤوسهم لفة‬
        ‫من مقومات طريقته هذه‪.‬‬         ‫‪ -‬رد متعكر العينين‪ :‬صدقني‬
                                      ‫يا صديقي‪ ،‬أنا أحاول التظاهر‬         ‫معروفة‪ ،‬وجلابيبهم لا ظهر لها‬
‫‪ -‬قلت بهدوء وتوجس‪ :‬وماذا بعد‬          ‫بالضحك وعدم الاهتمام‪ ،‬لكن‬                              ‫من بطن”‪.‬‬
             ‫يا صديقي؟ أفصح‪.‬‬       ‫شعوري كمحرم‪ ،‬أصعب من هذا‬
                                                                            ‫لكن التغيير يمتد بعد ذلك إلى‬
  ‫‪ -‬ارتسمت على شفتيه ابتسامة‬             ‫الوصف الذي لا يعجبك”‪.‬‬             ‫جوهر شخصياتهم‪ ،‬فيتحولون‬
                  ‫حيية‪ ،‬أضاف‪:‬‬        ‫“أطبق صمت حزين على قلبي‪،‬‬             ‫إلى مسوخ لا تنتمي لا إلى هؤلاء‬
                                    ‫متعجبًا من مصائر الخلق‪ ،‬الذين‬           ‫ولا إلى هؤلاء‪“ :‬فاجأ الأردني‬
    ‫حم ًدا لله‪ ،‬أن موضوع الداعية‬                                          ‫المصفوع الزملاء بقوله‪ :‬يمكنني‬
     ‫المتوفي‪ ،‬انتهى على خير‪ ،‬بعد‬         ‫يرغبون في اتخاذ طرق ما‪،‬‬
‫تأكيدي أمام المسئولين‪ ،‬بأن خلقك‬     ‫فتأخذهم الدنيا إلى طرق أخرى!‬
   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273