Page 261 - merit 42 jun 2022
P. 261
259 ثقافات وفنون
كتب
ضد العطش وضد الموت .يعني النسوة فر ًحا ،وتراقص الرجال لا يعد أم ًرا غريبًا عنا ،كما لو أنها
ذلك أننا قد نلتجئ لقصص بالسيوف .تجمع الرقصة بين تريد أن تقول إن الواقع لا ُيعاش
عاشها الأجداد. صور القتال والفرح تعبي ًرا عن
الفخر بالانتصار ،وكلما تعالت في غياب الفنطازيا ،أو أن الذي
-3من فنطازيا التصميم أصوات النسوة تضاعف القتال أوجد الفنطازيا هو الواقع نفسه.
إلى فنطازيا السرد:
وصار أكثر ح َّدة حتى يبلغ « -2الكاسكا» خرافة
تعلمت رجاء الرايس حياكة الرقص ذروته. راقصة ،أم أسطورة
السرد ،من حياكتها للصواري،
أو ربما تكون قد تعلمت الربط ينسحب صوت الراوية رجاء باكية؟
والقص وما تبعها من التحسينات الرايس عندما ُتق ِّرر حروف نصها
ُتعتبر رقصة الكاسكا من التراث
البلاغية ،من خلال البيئة الراقص على أنغام «الكاسكا» الليبي الأصيل ،وهي من أقدم
الطرابلسية التي تلحفت بألوان أن الرواية ربما اكتملت ح ًّقا،
متوهجة ،وشمس حارقة وأرض وأعطت ما في ل ِّجها وانغرست في فولكلورات العالم ،أي قبل رقصة
ناعمة وخصبة .تتزين الرواية أرض المزرعة القديمة كشجرة «السامبا» البرازيلية وغيرها.
على يدي صاحبتها بحس مرهف، خفيفة الأغصان ،غزيرة الثمار،
فترتاح من وجع الكتابة لتنتقل إلى يظهر أول تصوير لهذه الرقصة
وفنطازيا خارقة للمألوف، إحساس آخرُ .تربكنا الرواية منذ الليبية ،على جدران المعابد
يسكنها الإنس والجن على ح ِّد البدء ،فتنفتح على أبجدية غريبة
«الكاسكا» ،تحدق في التسمية، المصرية قبل خمسة آلاف سنة،
السواء ،ويتج َّول فيها الميت وتبحث عن المعنى ،وقد تكتفي حيث ُتص ِّور الجنود من قبائل
والحي ،وتتحرك فيها الجمادات، بالتساؤل ُمط ْمئنا نفسك أ َّنك «التحنو» الليبية وهم يرقصون
تتكلم فيها السواكن وتتشكل فيها ستحصل على الإجابة إذا باشرت الكاسكا باستخدام السيوف
قراءة الرواية .للكاسكا وقع على
الأحلام إلى كيانات بشرية أو السمع ،وعلى الفهم وعلى العين. والعصي ،وما زالت هذه الرقصة
مادية .لا شيء يمنع رجاء الرايس تنسكب «الكاسكا» كلحن ليبي يرقصها الليبيون إلى يومنا هذا في
يهرب بنا نحو التاريخ يذكرنا
من أن تتكدس أوصافها على بقصص قديمة انتصرت للحياة المناسبات والمهرجانات التراثية.
المشاهد بشكل مكثف ،دون أن سميت رقصة «الكاسكا» رقصة
تغفل عن سيرورة الحكاية أو عن الانتصار ضد الموت والعطش،
فقد شكلت أزمة المياه والعطش
في ليبيا ركنًا مه ًّما منذ القدم،
نظ ًرا لطبيعة المنطقة الصحراوية.
وتعود إلى قصة خروج فتاة ليبية
من قبيلة التحنو لجلب الماء من
بئر بعيدة عنهم .وعندما ألقت
َد ْل َوها ،اعترضتها مجموعة من
قطاع الطرق ،حاصروا البئر
ومنعوها من جلب الماء .عادت
البنت للقبيلة شاكية ،باكية.
فخرج معها رجال قبيلتها للثأر
لها ،وحتى يخوضوا معركة
بالعصي من أجل ابنتهم ومن
أجل الانتصار للحياة والماء .ولما
انتصروا عليهم ،تعالت زغاريد