Page 134 - m
P. 134
العـدد 60 132
ديسمبر ٢٠٢3
ثمل ُت بظنوني وتوجس أخيلتي وحماقات الكلام شيئًا تحتها لكان ذلك أكثر جاذبية وإثارة.
المتناثر بين جنبات الصمت على مدى عهود، كم احترق ُت تحت وطأة مثل تلك الكلمات ،وإن لم
يتم تصوير لقطة واحدة ،أكاد لا أصدق أنها تمثيل
مثلما أثملتني أنوثتها المتمردة ،إيماءات سكونها، يمكن له التوقف لحظة نطق المخرج كلمة (،)Stop
كركرة ضحكاتها ،وحدة غضبها سريعة الانفعال،
بينما سريان مخيلتي لا يمكن له التوقف لحظة
والعصية على محاولات التخفيف من عصبية واحدة ،حتى أكاد أنسى سبب وجودي وسط
تهديدها بترك موقع التصوير والخروج غير عابئة أجواء غريبة عني كل الغرابة ،وإن رحت أشعر
لشيء ،ودون أن تهتم ِلا يستر عري جسدها، في بعض الأحيان أني جزء من ذلك العالم وأعرف
ولِيركض وراءها أحد المصورين بكاميرته وسط كل تفاصيله ،وفي ذات الوقت تمني ُت أن أحل مكان
العيون المح ِدقة كي يكون الفيلم أكثر واقعية من
أي سيناريو يتم تعديله لدى كل مقطع من مقاطع البطل ،أكون حبيبها ،لكن في الحقيقة ،لا ضمن
الحوار ،وكذلك يدر في غمضة عين أربا ًحا تستحقها أحداث العمل فحسب ،ودون أن أضطر إلى تركها في
مخاطرة المجيء إلى هذا البلد المد َمر والمسكون بهذر نهاية اليوم لأعود إلى بيتي ،متخو ًفا من الإتيان بأي
الكثير من الحكايات والخرافات. صوت يفضح احتدام فحولتي لدى أخوتي الذين
صر ُت أقنع نفسي بتفهم تذمرها من كل شيء من يشاركوني النوم في ذات الغرفة الخانقة ،وكأن
حولها ،بلا مراعاة لوجودي وكل من يعرف اللغة الجدران الم َشبَّعة برطوبة الفقر والعازة تشارك
بدورها في اختطاف أنفاس ثوراتي الجامحة حتى
التي تتكلم بها بصو ٍت جسور ،مثل الصواريخ يحين وقت هروعي لرؤياها ضمن جولة حرمان
التي اقتلعت كل شيء في بلادي كي تغرس شتلات جديدة ،وكاميرا الإغواء لا تتوقف عن بث أنوثتها
المستعرة في رأسي لحظة واحدة ،فيما تتوجه وباقي
عهدها الجديد. فريق العمل إلى منطقة القصور الرئاسية التي لا
في إحدى تلك المرات كانت الأكثر عدوانية ،والأكثر يمكن اختراقها ولا زعزعة َأمنها وإن أحيلت المدينة
إغوا ًء ،دخل ْت إلى غرفة أ ِع َدت من أجلها وصفقت بأسرها إلى حطام.
الباب وراءها ،كانت تلتف برو ٍب تمنيت لو أستطيع إلى هناك تلحقها مخيلتي ،تص ِّور لي كل قادتنا
الاحتفاظ به كلما خلعته ورمته على الأرض ،كأنها السياسيين وهم يتنافسون على ولوج جناحها،
ذات تنافسهم قبل بدء كل دورة برلمانية ،أو تشكيل
لن تلبسه مرة أخرى ،دخل ُت وراءها ،دون طرق حكومة جديدة ،ومن ثم تسابقهم على المناصب
الباب من شدة لهفتي وقلقي عليها ،فقد أخذت الأكثر أهمية ونفو ًذا ،ولعلهم يتفقون على إجراء
الدموع تترقرق في عينيها الزرقاوين لفرط نفورها مزاد كل ليلة من أجل ساعة واحدة يقضيها الفائز
من شفتي الممثل الشاب فوق رقبتها تارة ونهديها ببذخ أموالنا المسلوبة فوق جسدها العاري ،لكن
تارة أخرى ،وإن تحجج ْت بسطوع الإضاءة كوم ٍض ليس على الأرض المهيأة أمام عدسة الكاميرا،
شديد الوهج طيلة فترة التصوير التي تستمر لأكثر لتتدحرج وعشيقها كما يشاء لهما المخرج بين
من عشرة ساعات أحيا ًنا ،دون أخذ يوم استراحة، ترابها ،الم َعد هو الآخر بعناية لا نفطن إليها لدى
كي يتم إنجاز الفيلم حسب الخطة الزمنية التي المشاهدة ،خاصة عندما نكون محتقنين بغرائز
تترجى بعض الانفراج من خلال مشهد هنا ولقطة
اعتمدتها جهة الإنتاج. هناك ،بل ربما تكون عطاياها للسيد ذي السطوة
لا شك أنها أبصر ْت في عين َّي رغبة جامحة أوغلت الكبرى في إحدى القاعات الفخمة التي كانت ُتعقد
فيها الاجتماعات القيادية والمناسبات الوطنية في
في صدرها الخوف ،حد الذعر ربما ،رغم كل ما عه ٍد مضى ،صار محط أحاديث تحولت بمرور
حدث بيننا من تقارب ،ورغبتها في التكلم معي
طوي ًل عن حياة تبدو لها متكتمة على أسرارها ،وإن السنوات إلى ثرثرة لا جدوى منها.
تجل ْت أغلب خصوصياتها عبر الفضائيات ،كما لو
أن تلك النظرات التي لم أستطع حجب وحشيتها
عنها أكثر كانت من ضمن مشهد الاختطاف الذي
ضاقت من تنفيذه منذ أول يوم تصوير.