Page 129 - m
P. 129

‫‪127‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

 ‫وأختي‪ ،‬وسط حرجي منهما‪ ،‬لكلامهما الغارق في‬                    ‫اثنان يعني المرح‬
  ‫تلميحات سافرة‪ ،‬كيف يكون التلميح ساف ًرا‪ ،‬ألا‬
‫ينبغي أن يظل مستت ًرا! قلت لهما بغيظ‪ :‬لن يحدث‬            ‫وقف اثنان على الحبال المشدودة ونعقا‪ ،‬نظرت‬
 ‫أب ًدا أن أترك بيت أمي! وعرفت الحب‪ ،‬وفاح عبير‬       ‫إليهما بعد السلام عليهما‪ ،‬ولبيت نداء صديقتي من‬
 ‫الورد‪ ،‬و ُسحر قلبي‪ ،‬ومرت سنتان ودقات القلب‬         ‫الشرفة المجاورة‪ ،‬أشارت لصوت موسيقى يأتي من‬
‫دافئة عامرة فيهما‪ ،‬والعهد للبقاء م ًعا طوال العمر‪،‬‬   ‫بعيد‪ ،‬مهرجان للطبول سيمر من تحت بيتنا‪ ،‬ألوان‬
  ‫وتم الاستعداد للرحيل عن بيت أمي‪ ،‬فغادرني‪،‬‬
‫تركني للارتباط من أجنبية ذات جواز سفر بلون‬              ‫فلكلورية ونساء ورجال وأطفال والكل يضحك‬
  ‫غير الأخضر‪ ،‬تبخر كما يتطاير البخار من براد‬        ‫ويغني‪ ،‬ألححنا على أمي النزول لمشاهدتهم عن قرب‬
   ‫الشاي‪ ،‬قبل وضع المادة السوداء لتهبنا طعمها‬
   ‫المميز‪ ،‬فخبا العبير من قلبي‪ ،‬وكان الظل هناك‬        ‫أنا وصديقة عمري‪ ،‬ارتديت فستا ًنا واس ًعا‪ ،‬أحمر‬
                                                    ‫اللون كفستانها‪ ،‬ووضعت ك ٌّل منا في شعرها وردة‪،‬‬
                   ‫مبتس ًما‪ ،‬يزداد سوا ًدا وقوة‪.‬‬
                                                       ‫أخذناهما من زهرية مائدة الطعام‪ ،‬طربنا وغنينا‬
        ‫خمسة تعني الفضة‬                             ‫بفرح‪ ،‬همس لي الظل في أذني اليسرى‪ :‬الوقت يطير‬

     ‫كانوا خمسة‪ ،‬عشر أجنحة رفرفت‪ ،‬فعهدت لي‬            ‫عندما تستمتعين! فمر وقت المرح سري ًعا‪ ،‬بسرعة‬
‫جارتنا أليكسندرا بشمعدانها الفضي الضخم‪ ،‬تركته‬           ‫قطار جامح‪ ،‬انتهى كلمحة‪ ،‬حين أشار شاب في‬
‫معي‪ ،‬قبل سفرها لزيارة حفيدتها‪ ،‬بموطنها الأصلي‬            ‫الجموع لصديقتي‪ ،‬تركت يدي‪ ،‬وتلاشت معه‪،‬‬
 ‫الذي لم تعرفه يو ًما‪ ،‬أخبرتني أنها تخشى عليه من‬       ‫فتسربت البرودة إلى قلبي‪ ،‬ولمسني الظل بطرفه!‬

  ‫الوحدة‪ ،‬فهو لم يعتدها! له عيون تحمل الكثير من‬               ‫ثلاثة تعني الميلاد‬
   ‫الشمعات‪ ،‬وفي يوم ُقطعت فيها الكهرباء‪ ،‬أشعلت‬
                                                     ‫حين وقف ثلاثة‪ ،‬انتظرت ميلاد ابنة أختي الكبرى‪،‬‬
      ‫الفتيلات العديدة‪ ،‬راقبت تمايل النور المنبعث‪،‬‬    ‫كيان صغير مجعد الجلد‪ ،‬ذو رائحة خاصة سلبت‬
   ‫وحركة الظلال على الحائط المقابل‪ ،‬فتشكلت منها‬
‫حيوات لم أ َر لها مثي ًل‪ ،‬أناس يجلسون‪ ،‬يتسامرون‪،‬‬       ‫فؤادي‪ ،‬أذهلتني بحركات فمها الباحثة عن حلمة‬
 ‫ويأكلون‪ ،‬وتتعالى ضحكاتهم‪ ،‬وصخبهم‪ ،‬وأصوات‬              ‫أمها‪ ،‬كنت أرقد بجانبها لساعات دون ملل ُيذكر‪،‬‬
  ‫موسيقى من عزف سحري على بيانو قديم‪ ،‬كانت‬            ‫أتأمل وجهها المبتسم لسماع صوتي‪ ،‬ألمس بشرتها‬

     ‫الظلال ملونة‪ ،‬بألوان باستيل هادئة غلب عليها‬          ‫فائقة النعومة‪ ،‬أعطيها إصبع يدي لتتمسك به‬
     ‫اللون الزهري‪ ،‬فعادت بي الذكرى ليوم فستان‬       ‫بقوتها الآثرة‪ ،‬أتشمم رائحتها الحية‪ ،‬وأقبل جبينها‪.‬‬
     ‫الخطوبة‪ ،‬وظهر الظل بكيانه الضخم من وسط‬
                                                        ‫من أين أتى ذلك المخلوق العجيب‪ ،‬المليء بالبراءة‬
       ‫الجموع‪ ،‬بهيئة مخيفة ابتلعهم‪ ،‬نظر لي بعين‬      ‫والبكاء‪ ،‬والقدرة على إيقاظ البيت كله لأيام متصلة‪،‬‬
  ‫مشتعلة‪ ،‬تجمدت في مكاني‪ ،‬وتكاثفت حبات العرق‬         ‫تضحك أختي وتعدني أنني سأكون أ ًّما غير عادية‪،‬‬
 ‫على جبيني‪ ،‬أتت الكهرباء‪ ،‬فأطفأت الشمعات بنفخة‬
 ‫فم واحدة‪ ،‬وظلت صوت ضحكته تجلجل في أذني!‬                ‫والرضيعة ممدة على ساق َّي المتعاقدين‪ ،‬غمرتني‬
                                                      ‫الفرحة‪ ،‬وانتشر عبقها‪ ،‬وأحاطت بالظل وحجمته‪.‬‬
     ‫ستة تعني الذهب‬
                                                             ‫أربعة تعني الزفاف‬
‫وهبتني عمتي سوا ًرا ضخ ًما عتي ًقا! قاطعتنا طوال‬
‫حياتها‪ ،‬ثم منحتني وهى على فراش الموت قطعتها‬            ‫وقف أربعة يتقافزون بأرجلهم المحجلة‪ ،‬ضحكت‬
                                                         ‫على رقصاتهم‪ ،‬وكذلك جارنا في الفيلا المقابلة‪،‬‬
 ‫الأثيرة من الذهب‪ ،‬أحبتها وحمتها طوال عمرها‪،‬‬
                                                      ‫اشتراها والده وجددها‪ ،‬نمى فيها اللون الأخضر‪،‬‬
                                                       ‫بد ًل من التراب والجدب الذي غاصت فيه لسنين‬
                                                      ‫كاملة‪ ،‬وأصبحت وردة فيحانة كما وصفتني أمي‪،‬‬
                                                     ‫وعبيري سيصل لراغبي الزواج‪ ،‬كانت تضحك هى‬
   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134