Page 130 - m
P. 130

‫العـدد ‪60‬‬                    ‫‪128‬‬

                                                         ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫أصارع تقييده الحاد لجسدي‪ ،‬أبقاني على الفراش‬                ‫حتى من نفسها‪ ،‬لم ترتدها يو ًما حر ًصا عليها!‬
‫لأيام متصلة‪ ،‬وحفر لبدني المتعب بئ ًرا سو ًداء جدباء‬      ‫مصاغ ذو ذوق مندثر‪ ،‬أوصتني وهى تنازع الحياة‬

     ‫عميقة‪ ،‬وكعنكبوت أكمل حولي نسجه‪ ،‬توافدت‬                 ‫ألا أبيعها‪ ،‬فهى إرث العائلة‪ ،‬امرأة لا توجد بيني‬
    ‫الغربان على حافة الشرفة‪ ،‬تسعة انتظم نواحهم‬            ‫وبينها علاقة‪ ،‬لم أ َر منها رمشة عين بها طيبة‪ ،‬في‬
     ‫بحدة واحدة‪ ،‬لتوقظني‪ ،‬قاومت الغزل المخيف‪،‬‬
‫حبوت خارج البئر‪ ،‬أطفأت النار التي بدأت شرارتها‬               ‫المرات القليلة التي التقينا فيها‪ ،‬طلبت أن تراني‪،‬‬
   ‫من قابس كهربائي غير محكم‪ ،‬لألعنه في نفسي‪،‬‬             ‫ونعتتني أنني ابنة أمي! ثم منت عليَّ بسوار‪ ،‬مضى‬
   ‫وأنظر في المرآة لأجد انعكا ًسا لكيان ما لا أعرفه!‬
                                                             ‫حياته مخفيًا في صندوق مخملي بقعر دولابها‪،‬‬
       ‫عشرة هى الشيطان نفسه‬                                 ‫وورطتني بعهد التمسك بروابط عائلية مهترئة‪،‬‬
                                                           ‫والحفاظ على إرث متجمد‪ ،‬أخذتها منها‪ ،‬وضعتها‬
  ‫لم أعرف من رأيت في المرآة‪ ،‬إنها أخرى توعدتني‪،‬‬           ‫كما هى في كفنها القطيفي‪ ،‬ألقيتها في قعر دولابي‪،‬‬
‫قذفتني بالسباب كطلقات رصاص‪ ،‬اخترقت كلماتها‬               ‫فتشابكت معي الكوابيس طوال الليل‪ ،‬ورأيته ينسج‬
 ‫الحادة جسدي‪ ،‬وتركت مكان الطلقات المدوية فرا ًغا‬          ‫أربطة كثيرة مخيفة‪ ،‬وعلى شفتيه ابتسامة مرعبة‪.‬‬

     ‫موح ًشا‪ ،‬اهترأ جسدي ووجهي كغربال واسع‬               ‫سبعة تعني س ًرا لا يجب إفشاؤه‬
  ‫الفتحات‪ ،‬لم تنز منه الدماء‪ ،‬بل تركت فرا ًغا‪ ،‬رأيت‬
                                                               ‫أصبح أبي فجأة بزعمه ممن يرفعون الهاتف‬
    ‫من خلاله الناحية الأخرى من الجدار‪ ،‬خرج منه‬                ‫ليخبره الله أنه على صواب‪ ،‬كان ذك ًرا فح ًل في‬
   ‫ليسحبني معه بكل عزمه‪ ،‬كقطعة نسيج مهترئة‪،‬‬              ‫صباه وشبابه‪ ،‬وحين وجد أن العجز لحق بما تركنا‬
    ‫وصوت الغربان العشر يعلو ويعلو‪ ،‬ابدئي العد‪،‬‬           ‫سنوات لإرضائه‪ ،‬عرف الإيمان! خاضت أمي مرارة‬
  ‫واحد يعني الأسف‪ ،‬اثنان يعني المرح‪ ،‬ثلاثة تعني‬          ‫العيش والوحدة طوال حياتها‪ ،‬ثم أتى هو‪ ،‬حين قرر‬
   ‫الميلاد‪ ،‬أربعة تعني الزفاف‪ ،‬خمسة تعني الفضة‪،‬‬             ‫أن يكون أ ًبا لنا مرة أخرى‪ ،‬وباسم الدين‪ ،‬حاول‬
‫ستة تعني الذهب‪ ،‬سبعة تعني س ًّرا لا يجب إفشاؤه‪،‬‬              ‫الحياة معي وأمي‪ ،‬فرفضنا وجوده بشدة‪ .‬أعلم‬
  ‫ثمانية تعني الجنة‪ ،‬تسعة تعني النار‪ ،‬وعشرة هي‬           ‫عنه أسرا ًرا كثيرة‪ ،‬شاهدت بعضها بعيني‪ ،‬ولمستها‬
                                                           ‫بنفسي‪ ،‬وتعلمت أن الأسرار دائ ًما ما تحمل معها‬
                                ‫الشيطان نفسه‪..‬‬              ‫الألم‪ ،‬وحين يشرع باب السر المغلق‪ ،‬تخرج كثير‬
                                                         ‫من الآثام معه‪ .‬فتحت له أختي أبواب بيتها الصغير‬
          ‫ثمانية تعني الجنة‬                                ‫الهادئ‪ ،‬حام فيه كحية‪ ،‬حتى انقض في يوم غفلت‬
                                                          ‫فيه‪ ،‬بجسد ابنتها‪ ،‬فألقيته خارج البيت دون كلمة‪،‬‬
       ‫نفذت كل الأرقام ولم يأت الثمانية‪ ،‬أين أنتم‬             ‫بقسوة وقوة لم أعرف من أين خرجا‪ ،‬وحملت‬
      ‫صرخت بعزم قوتي‪ ،‬أيها الثمانية‪ ،‬من قال أن‬              ‫الطفلة على ساق َّي المعقودتين‪ ،‬أهدهدها كما كانت‬
   ‫الترتيب حتم ٌّي‪ ،‬فلتأتوا‪ ،‬انعقوا‪ ،‬التفوا حولي‪ ،‬كما‬     ‫رضيعة‪ ،‬أمسح دمعها‪ ،‬وأربت على شعرها المنساب‬
  ‫حميتم الدلاي لاما‪ ،‬كما أنقذتم ابن آدم من العفن‪،‬‬           ‫على قدم َّي‪ ،‬أما الظل فكان انتهى من غزل شبكته‬
    ‫فلتأخذوني لأبواب الجنة الثمانية‪ ،‬انقروا عليها‪،‬‬
   ‫افتحوا با ًبا من أبوابها‪ ،‬فتدفق نور وسط الظلمة‪،‬‬                                               ‫المرعبة‪.‬‬
   ‫هرولت ناحيته‪ ،‬سبحت فيه‪ ،‬إلى نه ٍر جا ٍر‪ ،‬شربت‬
     ‫من مائه‪ ،‬اغتسلت فيه‪ ،‬واستعاد جسدي قوته‪،‬‬                          ‫تسعة تعني النار‬
   ‫وروحي عزمها‪ ،‬ثم عدت للبحث عن الظل‪ ،‬مزقته‬
    ‫إر ًبا لم أُب ِق منه قطعة واحدة‪ ،‬زاد نعيق الثمانية‪،‬‬     ‫حين بدأت الشرارة الأولى كنت في خضم النوم‪،‬‬
   ‫حاموا حول فتات روحه المتصاعدة‪ ،‬شهق شهقة‬               ‫التفت رائحة الدخان حول أنفي وصدري‪ ،‬وأنا جثة‬
     ‫عالية‪ ،‬فضحكت معهم‪ ،‬وسط صريخه المتعالي‪،‬‬              ‫شبه هامدة‪ ،‬أقاوم سواده القاتم‪ ،‬وشبحيته المرعبة‪،‬‬

                                      ‫وحسرته‪.‬‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135