Page 127 - m
P. 127
125 إبداع ومبدعون
القصة
واشتهى هوا ًء طل ًقا ،لا َتح ُّده الجدران؛ فنهض من بغت ًة؛ فانتزعته من ردهته الوهميَّة ،وأعادته إلى
مكانه بصعوب ٍة ،وسار بخطوا ٍت بطيئ ٍة ناحية الباب مقعده في لمح البصر؛ فنهض من مكانه ،ومضى
المُغ َلق ،و َ ْل يكترث بدعوة ال َّطبيب ،الَّذي نصحه
خفي ًفا إلى غرفة الكشف ،وتم َّدد على سرير الفحص،
بالبقاء ،وعدم مغادرة العيادة في مثل هذه الحالة في حين لم يخامره ال َّش ُّك بتا ًتا في َأ َّن ما يشكو منه
مجرد َأ َ ٍل عار ٍض ،سيتعافى منه قريبًا ،وأ َّنه لا يزال
ال َّسيِّئة. على ال َّركض إلى أبعد مدى ،وأ َّنه يملك الوقت قاد ًرا
ال َّسماء لا تزال ترشق ال َّشارع بنقرات المطر، لفتح مزي ٍد من الأبواب ،والنَّوافذ المغلقة. الكافي
توبالدرو اجللأ الشثَّيالءاثفيني ُّيعيلناييهزاغالئمذاًة،ه ًوللاعينب ُكصِّلرمباجلحاوٍءله، نظر ال َّطبيب ،وأطال النَّظر إلى صور الأش َّعة،
سوى زوجته وولديه؛ يرى ولده ال َّصغير يتسلَّل
إلى غرف ٍة ،با َت ْت مغلق ًة .يراه يفتح صندو ًقا كرتونيًّا، ونتائج التَّحاليل؛ فتب َّدلت ملامحه إلى ملام َح أخرى
يض ُّج بأشيا َء حميم ٍة ،يلتقط من بينها ن َّظار ًة طبيَّ ًة؛ لا تعرف الحياد؛ فق ْد قطب جبينه ،وأضاف إلى
فيصيح من ش َّدة الفرح؛ يظ ُّن ،وهو اب ُن ال َّرابعة أ َّن سنواته الستين عشرين أخرى ،وأفل َت ْت من عينيه
هذه النَّ َّظارة ما هي إ َّل عضو من أعضا ِء أبيه غاف َل نظرات مشبَّعة بالأسى؛ كانت كفيل ًة ِب َأ ْن تسكن
الأمر؛ فاعتدل افلوهوقا اجل َّسسريقلر،بو َأز ْات َئبرعها،لالَّسذؤاي َلاِ ْبر َتاس َؤبا ٍلف،ي
الجميع ،وأص َّر على البقاء بجوار صغيرين ،لا يملك في الوقت
صب ًرا على فراقهما .يرى طفله الأكب َر يلتقط من الَّذي كان ال َّطبيب قد عاد فيه إلى منطقته ال َّرماد َّية؛
َف َت َفنَّ َن بدوره في صياغة أجوب ٍة من َّمق ٍة ،وبالغ في
افلتنُّصهنمدروالق ُّدموصوع ًرابحفروقت ٍةوغعرلاىفيَّ ًةخ،دييه.ح ِّديرق إىليزهاو بجلتههف ٍةت؛فتح للقلق. لا داع َي و ِب َأ َّنه بأ َّن الأم َر هيِّ ٌن، زائره طمأنة
الخزانة ،و ُت ْخ ِر ُج ملابس ،أكلتها ال ُعثَّ ُة ،وملأتها ا ْنزا َح ال َّضباب إ َّل َأ ْن ال َّطبيب المضنية جهود ورغم
ال ُّثقوب ،يراها تشت ُّم رائحته القديمةُ ،ث َّم ترت ُّد إلى
فراشها البارد بلوع ٍة ،و ُت ْسلِ ُم جسدها إلى ال َّشوك، عن عيني زائره شيئًا فشيئًا؛ فراح يجول ببصره
في الغرفة؛ َو ُسرعا َن ما ا َّتس َع ْت حدقتاه ،وتلاحقت
والأرق ال َّطويل. أنفاسه ،واستب َّد به الفزع؛ إِ ْذ أبصرني أقف في
يبدو َأ َّن الوقت َق ْد حان ل ُأ ْن ِهي عملي المعتاد؛ َح ْت ًما زاوي ٍة من زوايا الغرفةَ .ح َّد َق بذع ٍر إلى طولي
س ُي َصا ُب ال َّرجل الثَّلاثين ُّي بدوا ٍر شدي ٍد ،وسيسقط الفارع ،وجسدي العاري إ َّل من أوراق شج ٍر ذابل ٍة
على الأرض ،وسيمتلئ فمه بطعوم الوحل والملح تستر عورتي بالكاد ،وأبص َر جلدي ال َّشاحب،
أواِحلمبَّتطهر.،و َأح ْتشًميااءهسياتلطحلَّمعي إملةىبايلن َّسمطايَّءا،توزسريقر ٍةىصوافجيو ٍةه،
ستعود إلى ال َّسماء ع َّما قري ٍبَ .ح ْت ًما سيراني قبل وال َّدماء ال َّزرقاء المُتج ِّمدة في عروقي النَّافرة .رآني
أ ْن يغم َض عينيه ،سأس ُّد عليه الأفق ،سأب ُّث في قلبه أدمد ُم من بين أسناني ال َّصفراء بألفا ٍظ مبهم ٍة،
مزي ًدا من ال ُّرعب؛ فأنا آل ٌة مبرمج ٌةَ ،و َح ْسب ،ما
بالي أشعر بوخز ال َّضمير هذه ال َم َّرة بالذات؟! لماذا َبثَّ ْت ال ُّرعب في قلبه ،بينما أفهمته نظراتي القاسية
ترم ُقنِي هكذا؟! أعل ُم ما يدور في ذهن َك الآ َن ،حسنًا؛ بأ َّنني أضمر ِنيَّ ًة ُم َبيَّ َت ًة لانقضا ٍض وشي ٍك ،سيعقبه
لن أخيَّب ظنَّك؛ سأصعد على الفور إلى هذه البناية
َنت ْكه ُم ٌ ُشن،موأألسٌماِ ،تويا أفتناراذلٌسك .ايلاكالبئ ُنشاالعتَّتعييُ ،سوُ ،قاْبلَّذحيي! َي ِفهنُّرا
منه الجميع ،ليتهم يعلمون أ َّنني مجرد آل ٍة ُم َب ْر َم َج ٍة،
تقوم بعملها ،و َح ْسب.
ال َّشاهقة ،سألقي بنفسي من أعلى نقط ٍة ،س ُأ َح ِّط ُم اقترب ُت شيئًا فشيئًا ،وما إِ ْن لامست حا َّفة ال َّسرير،
لع َّل ال َّرج َل الثَّلاثين َّي تقوده قدماه نفسي بنفسي؛ حتَّى ته َّشم ال ُّزجاج ،وذاب الغراء؛ فانتزع الرجل
يفتح با ًبا موص ًدا؛ فيحتضن ولديه، إلى منزله؛ لعلَّه الثَّلاثين ُّي صرخ ًة ،خرجت ُم َد ِّو َي ًة؛ انتفض ال َّطبيب
وزوجته بلهف ٍة ،ث َّم يستريح بعد عنا ِء يو ٍم شا ٍّق؛ على إثرها ،والتف َت سري ًعا إلى حيث أشار ْت ي ُد
لعلَّه يزرع مزي ًدا من ال ُّزهور في أصائص شرفته ،في
الوقت الَّذي يستمع فيه إلى أغنيته المُ َف َّض َل ِة ،ولحنها زائ ِره ،لكنَّه لم يبصرني على أ َّي ِة حا ٍل ،إ ْذ كن ُت قد
النَّاعم القديم برهاف ٍة وشج ٍن. تب َّخر ُت بالفعل ،و َ ْل يتبق مني سوى رائح ِة مخ ِّد ٍر
ن َّفاذ ٍة ،استنشقها ال َّزائر َو ْح َده؛ فشعر بالاختناق؛