Page 126 - m
P. 126
العـدد 60 124
ديسمبر ٢٠٢3
كرم الصَّباغ
َر ْه ُف الحديد
قائم ًة بأشيا َء ضرور َّي ٍة ،يريد شراءها دونما تأجي ٍل، يبدو ال َّطقس مثاليًّا لمباشرة عملي؛ فالنَّهار َق ْد
راح يد ِّونها في مفكرته ،وما إِ ْن فع َل ،حتَّى اكتشف تنازل عن صحوته ،وتل َّون بغبش ٍة داكن ٍة؛ والغيوم
أنه يجلس من ُذ ساع ٍة فوق مقع ٍد وثي ٍر مري ٍح ،وأ َّنه
يمكنه الاسترخاء لبعض الوقت ،بدا الأمر مناسبًا غاضب ٌة ،حجبت ال َّشمس ،وراح ْت تص ُّب ماءها
ِ َل ْن يسرح بخياله خلف ال ُّشموع؛ فوجد نفسه كسيا ٍط مؤلم ٍة فوق شار ٍع صاخ ٍب مضطر ٍب،
يتناول وجب ًة ساخنةـ مع زوجته ،وطفليه الَّلذين َ ْل يشتهي ال ُّسكون .الما َّرة يهرولون بوجو ٍه بلاستيكيَّ ٍة
صوب مظ َّلت المحلات ،ومداخل البنايات ،والمياه
يتجاوز أكبرهما ال َّسابعة بعد ،وسرعان ما انتقل إلى تسيل على الأس َف ْل ِت ،وتتج َّمع في بؤ ٍر وحف ٍر واطئ ٍة؛
ال ُّردهة ،وراح يحتسي ال َّشاي ،وقد تنامى إلى سمعه فيبدو ال َّشارع مأزو ًما غار ًقا ،يستغيث بالبالوعات.
وإطارات ال َّسيَّارات تخوض في الماء ،والوحل،
أغني ٌة شجي ٌة ولح ٌن ناع ٌم قدي ٌم ،أشعره بالدفء؛ وترشهما بسماج ٍة على ملابس رج ٍل ثلاثين ٍّي ،يسير
فارتسمت ابتسام ٌة عذب ٌة على فمه ،وراح يراقب ذاه ًل وسط ال َّطريق ،غي َر آب ٍه بالأمطار الغزيرة ،الَّتي
بعينيه الحانيتين طفليه ،الَّلذين انهمكا في لعبهما تنهمر فوق رأسه ،ولا بآلات التَّنبيه ،الَّتي تصرخ
خلفه ،ولا بال َّشتائم البذيئة وال ُّنعوت الوقحة ،الَّتي
البريء. تندفع كطلقا ِت ال َّرصاص الح ِّي من أفواه ساخطين،
َث َّمة ُم َم ِّر َض ٌة حسنا ُء ،تضفي على المكان بهج ًة َخ ِفيَّ ًة، تفادوا صدمه في اللَّحظة الأخيرة بال َّضغط على
مكابح سيَّاراتهمُ .ر َّبما دفعتهم طباعهم الغليظة إلى
رغم كونه عياد ًة ،تكت ُّظ بأرباب الأمراض المزمنة، الإفراط في القسوة ،و ُر َّبما اعتقدوا أنهم في مواجهة
ورغم انشغالها طوا َل الوقت بترتيب بطاقات رج ٍل مخمو ٍر ،ساقه الح ُّظ العاثر إليهم؛ ل َي َت َو َّر ُطوا
المرضى ،وإدخال من حان عليه ال َّدور إلى غرفة في دمه.
الكشف .هي ملا ٌك بح ٍّق؛ تمت ُّص غضب من سئموا هل ترى تلك البِ َنا َي َة العتيقة؟! هناك في الأعلى،
الانتظار ،وته ِّدئهم بابتساماتها ال َّرقيقة ،وكلماتها وبالتحديد في ال َّدور ال َّسابع ،تقبع عيادة ال َّطبيب ذي
اللَّينة ،وتتح َّمل على مض ٍض تصابي كهو ٍل وشيو ٍخ، العمر والباع الطويلين .داخلها تع َّجل هذا الرج ُل
د َّب ْت الحرارة في أطرافهم الباردة؛ فراحوا يتغ َّزلون الثَّلاثين ُّي دوره ،ونظر كثي ًرا إلى ساعة يده؛ فهو
بطر ٍق بدائيَّ ٍة ،لم َت ُر ْق لها على الإطلاق ،لكنَّها في ذات ثقي ُل الأحما ِل ،تطارده الأعبا ُء ،أينما ذهب .أراد أن
الوقت َ ْل تتنازل عن كونها أنثى من بنات الأرض؛ يستغ َّل وقت الانتظار المم ِّل؛ فأجرى ِع َّد َة مكالما ٍت
فع َد ْت نظراتهم المختلسة إلى جسدها الفائر جائز ًة، من هاتفه المحمول ،ور َّتب ما لديه من مواعي َد ،وأع َّد
واعترا ًفا ضمنيًّا بأنوثتها ال َّطاغية.
كان الرجل الثَّلاثين ُّي في شغ ٍل عن هذا ُكلّه؛ فقد
استغرقته أحلام اليقظة .هتف ْت الحسناء باسمه،