Page 133 - m
P. 133

‫‪131‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

   ‫المستلقية‪ ،‬دون أن ترتدي غير ثوب شفيف فوق‬            ‫ذكاء لا ينجم عنه موت وفقر ودمار‪ ،‬جي ًل إثر جيل‪.‬‬
  ‫ملابسها الداخلية‪ ،‬متذمر ًة من لفحات حر الخارج‬        ‫لم أ ِكلمها عن شيء من هذا‪ ،‬فلن تفهم بالتأكيد‪ ،‬فقط‬
   ‫الذي لا يمكن أن يطيقه بشر‪ ،‬رغم وجود تكييف‬            ‫كنت أخبرها عما يفيدها في تجسيد دور من تعيش‬
‫يجعل من (الكرفان) جنة نتلهف أنا وأهلي إلى نفحة‬         ‫قصة حب َشبِقة مع أحد أبناء البلد الغريب عنها ولم‬

         ‫منها على مدى ساعات من لوبة الاختناق‪.‬‬            ‫تتعرف عليه سوى من القنوات الإخبارية المعتادة‬
 ‫رغ ًما عني صار شيء من النشوة يداخلني بمجرد‬             ‫على نقل كوارث الحروب وأهوال شعوب بعيدة كل‬
  ‫جلوسي على مقرب ٍة من فتنتها الأخاذة‪ ،‬وكأنها ما‬
                                                                               ‫البعد عن دائرة اهتمامها‪.‬‬
     ‫طلبت توظيف مترجم خاص بها إلا لكي تتأمل‬               ‫ربما ما كان يخطر لها على بال أنها ستضطر إلى‬
    ‫غريزة الحياة في أرض الموت‪ ،‬كما تصف بلادي‬               ‫المجيء لتصوير مشاهد إغراء بين خرائب حرب‬
                                                         ‫لا ُترفع أنقاضها مع تشييد أبنية جديدة ورصف‬
     ‫باستمرار دون أدنى اهتمام بما يعتلي قسمات‬           ‫الشوارع واختفاء بقع الدم وبقايا أشلا ٍء كنا نبحث‬
   ‫وجهي من ضيق‪ ،‬فما أنا لديها أكثر من قاموس‬
 ‫يترجم بضع كلمات هنا وأخرى هناك‪ ،‬ولمَّا يدركها‬                                        ‫عنها تحت الركام‪.‬‬
                                                         ‫بطل الفيلم ي َج ِسد شخصية شاب شهد الكثير من‬
             ‫الضجر تحدثني وتسألني عما تشاء‪.‬‬               ‫الويلات داخل بلاده المنكوبة حتى التقى بحبيبته‬
    ‫توالت طرقات اللوم والتأنيب على مسامعي‪ ،‬إلى‬
                                                              ‫الأجنبية‪ ،‬فيقرر الهروب معها من المتطرفين‬
      ‫درجة الوعيد بنار جهنم من بعض أصدقائي‬             ‫المتعقبين آثارهما‪ ،‬والاختباء في أحضانها داخل بي ٍت‬
 ‫شديدي الالتزام الديني‪ ،‬حد التطرف أحيا ًنا‪ ،‬كوني‬
  ‫ضمن العاملين مع عاهرة جاءت لتقديم عروضها‬                    ‫يرفرف بعبير عشقهما خارج حدود المكان‪.‬‬
‫العارية في فيلم من الأفلام الهابطة التي ُتظ ِهرنا مثل‬       ‫يقوم بالدور ممثل من أبناء البلاد‪ ،‬لكنه أجنبى‬
 ‫وحوش لا يسعون إلا وراء الشهوة‪ ،‬بينما أدركني‬             ‫الجنسية‪ ،‬نشأ في إحدى بلاد اللجوء‪ ،‬بالكاد يتقن‬
‫الخوف أن أغدو مثل ع ّشاق النجمات ممن يصابون‬               ‫لغته الأم‪ ،‬أما لهجته فتبدو لي مضحكة ج ًّدا‪ ،‬كما‬
  ‫في نهاية المطاف بلوثة تفقدهم آخر جذوات العقل‪،‬‬            ‫لو أنه يمثل دور المغترب داخل الفيلم‪ ،‬وبطريقة‬
                                                         ‫كوميدية بعض الشيء‪ ،‬من حسن حظه أن الحوار‬
     ‫وفي بلادنا الجميع معرض للجنون‪ ،‬جنون يلج‬               ‫أغلبه باللغة الإنجليزية‪ ،‬إلا أنه رغم ذلك يفرض‬
  ‫الأدمغة مع كل أزمة جديدة‪ ،‬كل تصريح صاخب‪،‬‬               ‫وجوده أمام وخلف الكاميرا بشيء من الغطرسة‬
  ‫ومزايدة سياسية تستثمر ما بقي لدينا من أحلام‬           ‫المست ِفزة‪ ،‬رغم أن مشاركاته السابقة اقتصرت على‬

                                 ‫في وط ٍن منهار‪.‬‬                    ‫الأدوار الثانوية في عدة أفلام أجنبية‪.‬‬
    ‫خشي ُت أن أنهار فع ًل‪ ،‬خاصة بعد تصوير أول‬                 ‫لعل ملامح وجهه الشرقية وسمرته‪ ،‬وأي ًضا‬
   ‫المشاهد الحميمة بينها وبين بطل الفيلم في البيت‬       ‫عضلات جسده المفتولة‪ ،‬ما أهله للحصول على مثل‬
     ‫الذي قررته لهما أحداث السيناريو‪ ،‬كان ضيق‬            ‫هذا الدور أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬فقد كانت أمام‬
      ‫المساحة‪ ،‬يقع في منطقة سكنية خاصة بعوائل‬          ‫عدسة الكاميرا تبدو شديدة التناغم مع طول قوامها‬
 ‫مليشيا أحد الأحزاب المتعاقبة على استلام السلطة‪،‬‬         ‫الرشيق‪ ،‬قسمات وجهها المضيئة في أكثر المشاهد‬
    ‫تم تأمينه جي ًدا‪ ،‬قبل بدء انسياب شلالات عشق‬            ‫المحاكية لأسى مدينة تصليها رشقات الموت كل‬
    ‫الحبيبين‪ /‬البطلين‪ ،‬لكن أ ًّيا من النساء المتلفعات‬     ‫حين‪ ،‬والنهدين المتدليين من تحت ثوبها الشفيف‬
 ‫بعباءاتهن والرجال الملتحين‪ ،‬يمسك أغلبهم المسابح‬             ‫كعنقودي عنب‪ ،‬أكثر ما يغريني للتقرب منها‪،‬‬
    ‫ويعتمر بعضهم الكوفيات والعمائم‪ ،‬لم يكن على‬           ‫ويخيفني في آ ٍن واحد‪ ،‬خاصة ونحن نمضي وقتًا‬
‫علم بما يجري تصويره خلف جدران إحدى دورهم‬                 ‫طوي ًل في (الكرفان) الخاص بها‪ ،‬على أطراف بناء‬
    ‫المباركة بالتأكيد‪ ،‬خاصة وأن الإجراءات الأمنية‬       ‫تم هدمه من قبل ولادتي ولم ي َشيِده أ ٌّي من مالكيه‬
 ‫استدعت أن ترتدي عباءة لدى دخولها وخروجها‪،‬‬
‫وكم كانت فرحة بذلك التنكر الغريب حتى اقترحت‬                                                  ‫المتعاقبين‪.‬‬
 ‫أن تلف جسدها ضمن مشاهد الفيلم‪ ،‬ولو لم ترت ِد‬              ‫لا أدري إن كانت تتعمد إغوائي بجلساتها شبه‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138