Page 136 - m
P. 136
العـدد 60 134
ديسمبر ٢٠٢3
مي ع َّطاف
(سوريا)
ديك /دجاجة
عيو ًنا تراقب وتنتظر :هل سأمشي بقدمي على وجهه عاصفة من مزاريب ماء ورياح ،أسمع صوت المطر
أم لا؟ هل أتظاهر بأني لم أر الصورة ..أم ببساطة يسقط على الأرض كما لو كان ضر َب سياط ،ورياح
ألتف حولها؟ وماذا عن الشجاعة والموت في سبيل تكاد تخلع الشبابيك والأبواب وتجعل من الصحون
الموقف والكلمة والرأي الذي أتبجح بها؟ أي مأزق
ستلقاه قدماي التي تسير بوجهة واضحة لوجهه، اللاقطة على البنايات كأنها دفوف وطبول بإيقاع
فوضوي ..الوقت مساء ولا مجال للرؤية ،فالغيم
وتعرف أن كل شبر بغير مكانه سيكلفني عم ًرا ،لا بد الرمادي المسو ُّد صار س ًّدا منع جريان ضوء القمر،
أن أح ًدا يصور المشهد الآن من نافذة بيته ،اللعنة على الساعة لم تتجاوز الثامنة مسا َء وعليَّ أن أو ِّصل
علبة الدواء لصديقتي التي تسكن في شارع قريب
ضوء البيل ،بدا مرش ًدا متهو ًرا ،كيف يدلني للعبور من بيتي ،انتظرت العاصفة لتهدأ لكنها سكتت فجأة
فوق وجهه؟ أين تلك العاصفة الهوجاء؟ فلتهب الآن كأنها اختبأت ،صمت المطر وبلعت الريح تنفسها.
وتحمل الصورة من مكانها أو فلتحملني أنا ،ذلك كان عليَّ أن أستغل انسحابها المفاجئ والخروج
أسهل لها. مسرعة ،حملت البيل الصغير وشبه غزالة كنت أعدو
هل أتراجع للوراء وأقوم بحركة تمثيلية أسلط بها على سلم البناية ،أنزل بقفزة واحدة عدة درجات،
الضوء على وجهي وأضرب جبهتي كأني نسيت غادرت المبنى ،سرت عدة أمتار ،ليس ثمة أعمدة
أم ًرا؟ اضربها مرا ًرا حتى يراني كل من بالحي ثم إنارة ولا أحد في الشارع سواي والبيل ،وحدي
اغادر مسرح الحدث الآن. صرت في ساحة وسط المباني ..يرشدني ضوء البيل
كيلا تغطس قدمي ببركة ماء ،فجأة لمع برق في
أعتقد أن بعض العيون وراء الشبابيك ستبث الخبر السماء أضاء وجهه ،وبلا شعور سلطت ضوء البيل
قبل الحدث ،هل أسقط أر ًضا وأدعي أني دخت؟ ماذا على وجهه الملقى أمامي أر ًضا على بعد متر واحد،
لو كانت سقطتي غير محكمة ووقعت بك ِّل فوق ارتعبت.
وجهه المبتسم ،يا لها من فكرة مضطربة! فوجهة سيري ستودي بي أن أسير بقدم َّي على
صورة وجهه الملقاة على الأرض لا محالة ..سرت
شبر ونصف بين قدمي والصورة ،تذكرت لعبة كسلحفاة ،يا له من متر طويل ج ًّدا ..رفعت رأسي
(ديك /دجاجة) ،كنت ألعبها في صغري مع صديقتي، أنظر للشبابيك في البنايات التي تحيط بالساحة،
الساحة التي أنا بها وأمامي صورة كبيرة بوجهه
نقف على بعد مترين ونبدأ بالاقتراب من بعضنا المبتسم وعينيه الدائريتين تلمعان من ضوء البيل
والمسافة تقصر بيننا -اللعنة عليها صديقتي ،ليتها لم الذي تيبس في يدي التي انسحبت منها الدماء.
تكن في الحي نفسه ،-ومن تضع منا قدمها فوق قدم اشتعل رأسي بالتفكير وهرب ْت مني سرعة البديهة،
كأني صرت محو ًرا للأرض وكأن الشبابيك صارت
صديقتها تكون الديك وتفوز ،لذلك علينا بالتحايل
حين تصبح المسافة بيننا أكثر من قدم واحدة بقليل،
كما حالة قدمي ووجهه ،كنا نقوم بوضع قدم فوق
أخرى ،فمن سيم ُّد قدمه كاملة سيخسر والمسافة ما
زالت أكثر من طول قدم ،وهذا تما ًما ما حدث ،رحت