Page 160 - m
P. 160

‫العـدد ‪60‬‬                         ‫‪158‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

                                             ‫جمال عمر‬

        ‫بواطن عجز‬
‫المنظومة الفقهية‬

      ‫التجارية‪ ،‬ولما هو إداري في‬     ‫النصف الثاني من القرن التاسع‬       ‫‪ -1‬المنظومة الفقهية‬
   ‫عمل الدولة مع موظفيها‪ ،‬وهي‬         ‫عشر‪ ،‬ما يزيد عن خمسة عشر‬            ‫وتحدي نقل فكرة‬
                                      ‫نظا ًما قضائيًّا‪ ،‬من خلال أن كل‬          ‫القانون‬
      ‫منظومات كانت تغطي المدن‬       ‫قنصلية من القنصليات الأوروبية‬
    ‫الكبيرة فقط‪ ،‬ففي بلد كمصر‬          ‫تطبق منظومتها القانونية على‬      ‫كما تعرضت المنظومات الفقهية‬
    ‫كانت هذه المجالس في القاهرة‬     ‫رعاياها‪ ،‬وعلى أبناء الأهالي الذين‬
                                       ‫يدخلون معهم في مخاصمات‪،‬‬          ‫للتحدي من التغيرات الاجتماعية‬
       ‫والإسكندرية فقط‪ .‬ولما هو‬     ‫وعلى السلطات المصرية الخضوع‬        ‫والسياسية والثقافية التي شهدتها‬
  ‫عسكري داخل الجيوش‪ ،‬كعملية‬
                                       ‫لما تقضي به هذه القنصليات‪.‬‬        ‫مجتمعات المسلمين‪ ،‬عبر الزمن‪،‬‬
                  ‫ضبط نظامي‪.‬‬          ‫بل كان يسعى من الأهالي ومن‬        ‫من داخلها لعامل الزمن‪ ،‬تغيرات‬
‫من هنا لم تكن فكرة القانون التي‬       ‫الشوام من يسعون لأن يكونوا‬        ‫اجتماعية وسياسية وثقافية‪ .‬فقد‬
                                     ‫من رعايا هذه البلاد لينعموا هم‬
  ‫تم نقلها على الجاهز من أوروبا‬       ‫أي ًضا بهذه الامتيازات‪ ،‬التي لم‬      ‫واجهت هذه المنظومات تحد ًيا‬
    ‫حركة انتقال من داخل الوعي‬         ‫تكن امتيازات قانونية فقط‪ ،‬بل‬         ‫خارجيًّا من الزحف الأوروبي‬
                                      ‫ومالية أي ًضا‪ .‬ورغم أن القضاء‬
 ‫الجمعي ومن داخل الثقافة‪ ،‬ومن‬         ‫الفقهي‪ ،‬كان جزئيًّا‪ ،‬وأن معظم‬          ‫على بلاد ومجتمعات غالبية‬
   ‫داخل منظومة القضاء الفقهي‪،‬‬       ‫مشكلات الأهالي في غالبها ُتعالج‬      ‫سكانها من المسلمين‪ ،‬سواء عن‬
    ‫انتقالة تتجاوز جزئية القضاء‬
                                        ‫عن طريق العرف‪ ،‬والمجالس‬            ‫طريق الامتيازات التي حصل‬
 ‫الفقهي وبنيته التمييزية‪ ،‬وتغطي‬          ‫العرفية‪ ،‬فقد ازدادت عزلتها‬        ‫عليها السكان الأوروبيون من‬
   ‫المساحات الأوسع التي لم تكن‬      ‫وسيادتها‪ ،‬حتى من المجالس التي‬
                                       ‫أنشأها الحكام أص ًل للقضايا‬            ‫خليفة‪ ،‬والتي كان منها ألا‬
‫تغطيها الممارسة الفقهية التاريخية‬                                        ‫يخضعوا في قضائهم إلى نظمهم‬
    ‫عند المسلمين‪ ،‬بل ما حدث هو‬
                                                                           ‫القضائية حتى لو كان خلاف‬
 ‫أننا جاورنا بين المتباينات ونقلنا‬                                       ‫بين أوروبي وبين أي من أهالي‬
  ‫نماذج جاهزة تشكلت في سياق‬                                               ‫البلد‪ .‬ليصبح في بلد كمصر في‬
  ‫ثقافي ومعرفي مغاير نقل تسليم‬
   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165