Page 162 - m
P. 162

‫ومن أبناء البلد‪ ،‬يسعون ليدخلوا‬                              ‫العـدد ‪60‬‬                          ‫‪160‬‬
‫في رعاية الدول الغربية ليستفيدوا‬
                                                                           ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬  ‫الانفلات السلوكي ضد الإناث في‬
  ‫من هذه الامتيازات‪ .‬فكان هناك‬                                                             ‫ظاهرة «التحرش»‪ ،‬يتم الدعوة‬
       ‫قضاء قنصلي لكل قنصلية‬        ‫التراثي عن «السياسة الشرعية»؛‬                           ‫لتغليظ العقوبات‪ .‬فالقانون لم‬
                                    ‫وهي التدابير التي يتخذها الحاكم‬                         ‫يترسخ بعد كمنظومة حقوق‬
   ‫رعاياها لهم امتيازات‪ ،‬وقضاء‬      ‫لتدبير أمور المجتمع ومستجداته‪.‬‬                          ‫وحريات وضوابط وعقوبات‪،‬‬
      ‫فقهي (شرعي) للمسلمين‪،‬‬         ‫في نظر البعض‪ .‬لكن مع منتصف‬
                                    ‫القرن التاسع عشر أصبح للرعايا‬                        ‫بل ما زال في أغلبه الغالب مجرد‬
   ‫مجالس قضائية عملتها الدولة‬                                                           ‫ضوابط وعقوبات لتفرض السلطة‬
   ‫الحديثة في قضايا‪ ،‬وقضاء ملي‬       ‫الأوروبيين امتيازات في مقامهم‬
 ‫خاص بكل ملة من غير المسلمين‬            ‫في أنحاء الدولة العثمانية‪ ،‬أن‬                       ‫نفوذها الجبري على المجتمع‪.‬‬
 ‫الوطنيين‪ ،‬ومجالس حسبية‪ .‬مما‬           ‫تكون الولاية القضائية عليهم‪،‬‬
   ‫جعل تضار ًبا كبي ًرا في القضايا‬     ‫وعلى من يدخل معهم من أبناء‬                       ‫‪ -2‬عملية التقنين ذاتها‬
                                                                                           ‫وتوليدها للعنف‬
             ‫وفي نتائج أحكامها‪.‬‬       ‫البلد في خصومات‪ ،‬هي لقنصل‬
  ‫في ظل هذا الوضع كان السعي‬          ‫دولتهم‪ ،‬وقضاؤه ملزم لحكومة‬                              ‫نتيجة لجزئية الفقه فلم تكن‬
  ‫لعمل نظم قانونية حديثة‪ ،‬سعيًا‬                                                         ‫للمحاكم الفقهية (الشرعية) ولاية‬
                                          ‫البلد‪ .‬وأي ًضا أن يكون لكل‬                     ‫على الحكام ولا على أعمالهم‪ ،‬ولم‬
     ‫لاسترضاء الأوروبيين لكي‬         ‫طائفة من طوائف الوطنيين غير‬                         ‫تكن لها ولاية على ماكينة الدولة‬
   ‫يرضوا بالخضوع لها‪ ،‬هذا من‬
                                        ‫المسلمين مجلس ملي يمثلهم‪،‬‬                          ‫الحديثة‪ ،‬وأصبح تواجد رعايا‬
      ‫جانب‪ ،‬لكن من جانب آخر‪،‬‬                 ‫ويدير شؤونهم الدينية‪.‬‬                       ‫أوروبيين وهل يخضعون لولاية‬
  ‫كان السعي بالاستعانة بالقوى‬
                                     ‫الأمر الذي وصل أن يكون هناك‬                             ‫القضاء الفقهي أم لا‪ ،‬مسألة‬
    ‫الخارجية وضغوطها لمحاولة‬         ‫ما يزيد عن ‪ 51‬منظومة قانونية‬                       ‫مطروحة‪ .‬لذلك فقد حدث في فترة‬
       ‫تحجيم سلطة الفرد المطلق‬        ‫أجنبية‪ ،‬يتم التقاضي لها في بلد‬
      ‫الداخلية‪ .‬وأكبر نموذج لهذا‬    ‫كمصر في ستينيات القرن التاسع‬                          ‫حكم محمد علي باشا في مصر‪،‬‬
                                      ‫عشر‪ ،‬وأصبح الرعايا الأجانب‬                            ‫ومع عملية التحديث في طرق‬
 ‫السعي؛ هو شخصية نوبار باشا‬          ‫لا يخضعون لأي سلطة داخلية‪،‬‬
 ‫(‪ )9981 -5281‬عبر المفاوضات‬         ‫ويفرض القضاء القنصلي غرامات‬                           ‫ونظم إدارة المجتمع‪ ،‬وفي تنظيم‬
                                                                                             ‫عمل السلطة‪ ،‬ظهور وظائف‬
      ‫التي قام بها بين الحاكم في‬          ‫على الدولة المصرية لصالح‬                           ‫حديثة تتدخل بها السلطة في‬
    ‫مصر خصو ًصا في فترة حكم‬          ‫رعاياه‪ .‬وكان الشوام والتوانسة‬
 ‫إسماعيل باشا (‪،)9781 -3681‬‬           ‫والمغاربة والأتراك وغيرهم‪ ،‬بل‬                      ‫حياة الأفراد وفي حركة المجتمع‪،‬‬
                                                                                              ‫لم يكن لها وجود من قبل‪،‬‬
     ‫ومع تغلغل النفوذ الغربي‬
       ‫الاقتصادي عبر الديون‪،‬‬                                                                ‫مثل طريقة تنظيم الجيش من‬
 ‫والسعي الغربي لتحديد سلطة‬                                                                    ‫أفراد مستمرين يقطنون في‬
 ‫الحكم المطلق وهو الهدف الذي‬
  ‫سعى إليه نوبار أي ًضا‪ .‬وكان‬                                                             ‫معسكرات ولهم مدارس وفرق‬
    ‫تشكيل المجلس الملي القبطي‬                                                               ‫ونظام تغذية وإعاشة ورعاية‬
  ‫‪4781‬م كمجلس يدير شؤون‬                                                                    ‫صحية وتعليم‪ ..‬إلخ‪ ،‬ما تطلب‬
      ‫الأقباط الملية حسب الخط‬                                                                ‫عمليات ضبط‪ ،‬وتحديد مهام‬
   ‫الهمايوني العثماني الصادر‬                                                               ‫وعقوبات‪ ،‬أن صدرت ضوابط‬
    ‫‪6581‬م‪ .‬لكن أي ًضا إخضاع‬                                                                  ‫هي أقرب للقوانين الإدارية‪.‬‬
 ‫الوجود الغربي لنظام قضائي‬                                                                  ‫وتم إنشاء بعض من المجالس‬
     ‫واحد‪ ،‬من هنا كانت جهود‬
 ‫مدرسة «الإدارة والألسن» منذ‬                                                                    ‫التي تفصل في الخلافات‬
                                                                                              ‫التجارية بين التجار‪ .‬وهذه‬
                                                                                            ‫التغيرات كانت في ظل المفهوم‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167