Page 161 - m
P. 161

‫تجديد الخطاب ‪1 5 9‬‬

‫وقيادتهم‪ .‬بل أصبح الأمر يحتاج‬       ‫فقد نقلنا فكرة القانون كضوابط‬             ‫مفتاح‪ ،‬ولم نزرعها ثقافيًّا في‬
  ‫إلى عمل أسلحة وفرق وكتائب‪..‬‬            ‫وإجراءات يحكم بها الحاكم‬         ‫وعينا الجمعي‪ .‬فمن فكرة الحاكم‬
                                                                           ‫الراعي وفكرة الرعية إلى تصور‬
      ‫إلخ‪ .‬بعبارة أخرى أصبحت‬       ‫الفرد المطلق وتحكم بها الشريحة‬
 ‫السلطة ممارسة‪ ،‬تمارس نفوذها‬         ‫الاجتماعية المتنفذة‪ ،‬يحكمان بها‬          ‫الحاكم المسؤول أمام الناس‬
‫وسلطتها من خلال ماكينة اسمها‬                                                  ‫حسب عقد وشروط ُمسبقة‪.‬‬
                                       ‫نفوذهما وسلطاتهما‪ ،‬فأصبح‬               ‫ومن فكرة الرعايا إلى تصور‬
     ‫الدولة‪ ،‬وهذه الماكينة تحتاج‬      ‫القانون في نصوصه أقرب إلى‬              ‫الإنسان الفرد‪ ،‬المواطن‪ ،‬الذي‬
  ‫إلى نظم للإدارة وقواعد للعمل‪،‬‬    ‫إجراءات سلطوية‪ ،‬وظلت الحقوق‬                ‫له حقوق وحريات‪ ،‬والقانون‬
 ‫لأنها تتعامل مع آلاف من البشر‬     ‫والحريات‪ ،‬في نصوصه أقرب إلى‬             ‫يقوم لحماية هذه الحقوق وتلك‬
  ‫وفي حالات مختلفة‪ ،‬فكانت هذه‬        ‫الديباجات الإنشائية‪ ،‬ونصو ًصا‬         ‫الحريات للفرد من تغول الحاكم‬
   ‫الضوابط أقرب لقوانين إدارية‬          ‫على ورق‪ ،‬تتخفي من ورائها‬           ‫الفرد مطلق السلطة‪ ،‬ومن تغول‬
   ‫تنظيمية‪ ،‬عبارة عن واجبات في‬                                            ‫أصحاب النفوذ في المجتمع‪ .‬حيث‬
‫قائمة على الموظف الأميري عملها‪،‬‬          ‫كما كانت في الماضي سلطة‬         ‫إن الحاكم الفرد المطلق والشريحة‬
   ‫وفي الجهة الأخرى المقابلة من‬         ‫الفرد المطلق للحاكم الراعي‪،‬‬            ‫النافذة السلطة يمتلكون من‬
‫الصفحة قائمة عقوبات توقع على‬       ‫وسلطة الشريحة النافذة سياسيًّا‬           ‫الوسائل ما يحمون به أنفسهم‬
 ‫المخالف‪ .‬فالقانون عندنا ظهر في‬        ‫واقتصاد ًّيا واجتماعيًّا المطلقة‬      ‫ويحمون ما يملكون ويحمون‬
 ‫مجرد مسؤوليات وعقوبات‪ ،‬ولم‬        ‫أي ًضا‪ ،‬ولكن بديكور حديث‪ ،‬اسمه‬            ‫نفوذهم‪ ،‬وفكرة القانون كانت‬
    ‫تتشكل فيه فكرة ولا منظومة‬       ‫النظام القضائي القانوني‪ ،‬ونظام‬            ‫تحجيم لهذه السلطة المطلقة‪،‬‬
                                   ‫الحكم النيابي‪ .‬وظل القانون فاع ًل‬         ‫للحاكم الفرد‪ ،‬وتحجيم للنفوذ‬
    ‫الحقوق والحريات بعد‪ .‬حتى‬        ‫فقط كقانون في مساحة العلاقات‬             ‫المطلق للشريحة الحاكمة‪ ،‬عبر‬
 ‫المدرسة التي نشأت عام ‪8681‬م‬           ‫بين الأفراد في معاملاتهم‪ ،‬بل‬       ‫تشكل منظومة من الحقوق ومن‬
  ‫في مصر وقامت بجهد في عملية‬         ‫ظل العرف والجلسات العرفية‪،‬‬           ‫الحريات للأفراد أمام تغول هذه‬
                                     ‫هي التي تقضي فيما يقرب من‬               ‫السلطات المطلقة‪ ،‬وعبر تشكل‬
    ‫ترجمة القوانين والتقنين بعد‬          ‫تسعين في المئة من خلافات‬        ‫مجالس نيابية تمثل هؤلاء الأفراد‬
 ‫ذلك كان اسمها مدرسة «الإدارة‬          ‫«المواطنين» وبعضهم البعض‪.‬‬              ‫أمام سلطة الحكم‪ ،‬والتي تم‬
‫والألسن»‪ ،‬والتي أصبحت مدرسة‬          ‫وحين يذهبون للقضاء الرسمي‬             ‫صياغتها في مبدأ ترجمته أقرب‬
‫«الحقوق» الخديوية‪ ،‬عام ‪6881‬م‪.‬‬           ‫يكون الأمر في الغالب حينما‬       ‫إلى «لا فرض ضرائب بدون تمثيل‬
                                   ‫يريدون تعطيل أو إطالة الأمد على‬
   ‫الظاهرة الأخرى في عملية نقل‬     ‫حل الخلافات بينهم‪ ،‬أو نكاية من‬                                ‫نيابي»‪.‬‬
      ‫التقنين‪ ،‬أن يخضع للقانون‬                                              ‫بعبارة أخرى أن فكرة القانون‬
                                               ‫طرف للطرف الآخر‪.‬‬          ‫نتجت لحماية شكل ما من أشكال‬
  ‫الضعفاء وقليلو الحيلة‪ ،‬وتقريبًا‬    ‫في ظل حكم الفرد المطلق‪ ،‬يكون‬          ‫الحقوق والحريات للأفراد‪ ،‬أمام‬
  ‫هناك إجراءات أخرى لأصحاب‬
                                           ‫هو المشرع وهو الحكومة‬               ‫السلطة المطلقة للحاكم ومن‬
    ‫النفوذ‪ ،‬تلاحظها في ضمانات‬           ‫التنفيذية وهو القاضي‪ ،‬ولم‬           ‫النفوذ المطلق للشريحة النافذة‬
    ‫الإجراءات القانونية لمحاكمات‬      ‫يكن للدولة خدمات تعليمية أو‬           ‫سياسيًّا واقتصاد ًّيا واجتماعيًّا‪.‬‬
   ‫أصحاب النفوذ‪ ،‬مقارنة بعموم‬         ‫صحية أو إجتماعية‪ ..‬إلخ‪ ،‬فلم‬           ‫ففكرة القانون قيد على الحاكم‪.‬‬
  ‫المواطنين في الدول الجمهورية‪،‬‬      ‫يحتج الأمر إلى نظام إداري ولا‬       ‫قبل أن تكون تنظي ًما لضبط حركة‬
  ‫ومقدار التفرقة بين الأفراد أمام‬      ‫قانون إداري‪ ،‬لكن مع تحدي‬             ‫المجتمع‪ .‬لكن حين نقلناها نقل‬
                                        ‫الحداثة‪ ،‬أصبح الجيش ليس‬           ‫تسليم مفتاح‪ ،‬بدون انتقال داخل‬
      ‫القانون وإجراءاته في الدول‬      ‫مجرد مجموعة من المماليك كل‬            ‫الوعي من التصوارت الفقهية‪،‬‬
   ‫القبلية والعشائرية‪ .‬لذلك حتى‬         ‫مملوك مسؤول عن مجموعة‬
  ‫الآن حين تواجه وزارة الداخلية‬        ‫من الفرسان‪ ،‬وعن تسليحهم‬

     ‫مشكلة المرور في بلد كمصر‪،‬‬
     ‫يكون رد فعلها دائ ًما «تغليظ‬
    ‫العقوبات»‪ ،‬أو تواجه السلطة‬
   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166