Page 174 - m
P. 174

‫العـدد ‪60‬‬                           ‫‪172‬‬

                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫الحجاز» هو الديوان الأخير الذي‬     ‫بحكم ظروفه الصحية‪ ،‬لم يستطع‬                               ‫هلال العيد‬
  ‫كتبه الشاعر محمد إقبال‪ ،‬وهو‬      ‫إقبال أداء فريضة الحج‪ ،‬لذا كانت‬           ‫وصيحة التوحيد على الشفاة‬
 ‫هدية العائد من الحجاز بعد أداء‬                                          ‫يقول الخوف‪ :‬لا تتجه وحدك إلى‬
 ‫فريضة الحج‪ ،‬ونشر بعد وفاته‪.‬‬         ‫عيناه تفيض بالدموع كلما ذكر‬
    ‫فرحلات الحج الهندية عموما‬          ‫اسم المدينة المنورة أمامه لأنه‬                             ‫يثرب‬
                                       ‫يتوق لأداء فريضة الحج‪ ،‬لذا‬        ‫ويقول الشوق‪ :‬أنت مسلم فامش‬
‫تركت أثرها في علماء شبه القارة‬        ‫رحل إقبال إلى الحجاز بخياله‬
      ‫الهندية من خلال المجاورة‪،‬‬                                                               ‫بلا خوف‬
      ‫وحضور حلقات الدرس في‬         ‫وشعره‪ ،‬وتخيل نفسه‪ ،‬وقد سافر‬           ‫فهل أرجع إلى البيت بدون زيارة‬
       ‫الحرمين الشريفين‪ ،‬ونيل‬        ‫إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة‪،‬‬
                                   ‫وهكذا عاد ليحمل لمجتمعه «هدية‬                                 ‫النبي؟‬
‫الإجازات العلمية من مكة المكرمة‪،‬‬                                               ‫وكيف أواجه العشاق يوم‬
   ‫كما أثرت في حركات الإصلاح‬       ‫الحجاز» يقدمها لهم فك ًرا وشع ًرا‬
   ‫الديني والسياسي‪ ،‬والحركات‬                   ‫بالفارسية والأردية‪.‬‬                              ‫القيامة؟‬
                                                                         ‫إن من يطوي صحراء الحجاز لا‬
 ‫التحررية في شبه القارة الهندية‪.‬‬          ‫وفي وقت قارب فيه إقبال‬
    ‫ثمة أثر آخر لا يمكن تجاهله‪،‬‬      ‫الستين‪ ،‬شاءت الأقدار أن يقوم‬                      ‫يخاف على روحه‬
      ‫وهو الأثر اللغوي لرحلات‬         ‫برحلة إلى الأراضي الحجازية‪،‬‬           ‫وهذا هو السر الخفي لهجرة‬
   ‫الحج الهندية في اللغة الأردية‪،‬‬                                       ‫النبي صلى الله عليه وسلم مدفون‬
   ‫من خلال دخول كلمات عربية‬                             ‫قال إقبال‪:‬‬
   ‫لا حصر لها إلى اللغة الأردية‪.‬‬                           ‫رحلت‪..‬‬                                ‫يثرب‪.‬‬
    ‫وعليه فمن حيث الشكل‪ ،‬نجد‬                                            ‫رغم أن هذه القصة تدخل في عالم‬
                                               ‫رغم شيبي وضعفي‬
 ‫أن الرحالة الهنود كانوا مولعين‬                      ‫أنشد أشعاري‬           ‫الخيال إلا أنها خيال قريب من‬
       ‫بإطلاق أسماء عربية على‬                                              ‫الواقع إن صح هذا التوصيف‪،‬‬
                                                  ‫في سرور وحنين‬           ‫ورب سائل يسأل وكيف تفسر‬
  ‫رحلاتهم‪ ،‬وهي في الوقت نفسه‬                            ‫فلا تعجب‬          ‫ذلك؟ ربما نقل إلينا إقبال واقع‬
 ‫تعكس مشاعرهم تجاه الأراضي‬                                               ‫الجزيرة العربية قبل أن يوحدها‬
 ‫المقدسة مثل‪« :‬رحلة الصديق إلى‬            ‫فالطائر يحلق طول نهاره‬         ‫الملك عبد العزيز فينشر الأمن في‬
‫بيت الله العتيق» و»السفر اللطيف‬              ‫في الصحراء والبوادي‬          ‫ربوعها‪ ،‬وبذلك فالروايات التي‬
                                                   ‫فإذا أدبر النهار‬       ‫جاءت على لسان الرحالة الهنود‬
   ‫إلى بيت الله الشريف» و»راحة‬                         ‫وأقبل الليل‬          ‫تؤكد ذلك‪ ،‬ومن هنا يتبين أن‬
       ‫القلوب» و»سبل الرشاد»‪.‬‬                      ‫رفرف بجناحيه‬             ‫قصة إقبال الخيالية أقرب إلى‬

   ‫أما من ناحية المضمون‪ ،‬فنجد‬             ‫بحثًا عن وكر ليأوى إليه‪.‬‬               ‫الواقع وغير بعيدة عنه‪.‬‬
   ‫أن انتقال المصطلحات العربية‬         ‫فـ»أرمغان حجاز» أي «هدية‬

        ‫الخاصة بالحج والمناسك‬
‫والأماكن المقدسة‪ ،‬وأسماء القرى‬

   ‫والمدن التي مروا بها إلى اللغة‬
     ‫الأردية قد أسهم في إثرائها؛‬

  ‫حيث كانت تذكر كما هي باللغة‬
   ‫العربية‪ ،‬وكان لذلك بليغ الأثر‬
 ‫في ظهور وعي ديني كبير بالفقه‬
    ‫والأحاديث النبوية الشريفة‪..‬‬

     ‫وسائر العلوم الإسلامية(‪)19‬‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179