Page 170 - m
P. 170
العـدد 60 168
ديسمبر ٢٠٢3
الحج الهندية صن ًفا أدبيًّا له أطره جذب مهمة للآسيويين بصفة وإن كان ليس بالرواية أو القصة
العلمية ،ودوافعه الأخلاقية ،وعليه عامة ،ولمسلمي شبه القارة إلا أنه يثير الفضول ،وحب
الهندية بصفة خاصة(.)7
أنتجت شبه القارة الهندية آلا ًفا الاستزادة لدى القارئ ،فض ًل عن
من رحلات الحج الهندية ،ولكن نقصد برحلات الحج الهندية ما نزعة البحث والتسلية إلى درجة
كتبه مسلمو شبه القارة الهندية تأثر قلب هذا القارئ ،وتجعله
لم يطبع منها إلا المئات(.)8 في كل من الهند ،وباكستان من مأخو ًذا بالنص ،ويطلق على
من الجدير بالذكر أن أول مثل هذا النوع من الأدب «أدب
رحلات الحج الهندية كتبت باللغة رحلات حجازية ،دونوا فيها الرحلات».
الفارسية ،وذلك في نهاية القرن انطباعاتهم عن الحج باللغة
العاشر الهجري -السادس عشر الفارسية أو ًل ثم باللغة الأردية، لعل تاريخ سرد قصص الرحلات
الميلادي ،وأقصد بذلك مث ًل وعبروا فيها عن مشاعرهم وتدوينها قديم قدم قدرة الإنسان
رحلة الحج التي قام بها «الشيخ على التحدث والكتابة ،وإذا أخذنا
عبدالحق المحدث الدهلوي» الجارفة نحو هذه البقاع
والمعنونة بـ»جذب القلوب إلى المقدسة ،واهتموا بذكر التفاصيل آراء الباحثين الأوروبيين في
ديار المحبوب» (998ه1589 -م)، الاعتبار فإن الرحالة اليوناني
و»فيوض الحرمين» لـ»شاه ولي الدقيقة عن تاريخ مكة المكرمة،
الله الدهلوي» (1161ه1728-م)، والعادات والتقاليد والطرق القديم هيرودوت (-484
و»سوانح الحرمين» لـ»رفيع 425ق.م) كان أول كاتب لمذكرة
الدين فاروقي» (1201ه- والمناسك والجغرافيا والأجناس الرحلة ،فهذا النوع من الأدب قائم
1789م) ،والتي تعد أفضل والسكان وحلقات الدرس في بلغات العالم كافة ،وهو قديم قدم
رحلات الحج باللغة الفارسية
في شبه القارة الهندية ،كما تعد الحرمين الشريفين ،والمهاجرين التاريخ( .)5فقد زار هيرودوت
رحلة «ترغيب السالك إلى أحسن والمجاورين من العلماء من شتى مصر وقبرص وفينيقيا وآشور
الممالك» للأمير مصطفى خان
شيفته (1256ه1841-م) في بقاع العالم الإسلامي ،فكانت وإيران ،وتوغل في الشمال إلى
القرن التاسع عشر حلقة في هذه بحق عاصمة للثقافة الإسلامية البوسفور ،وأودع مشاهداته في
هذه الزيارات ،أو الرحلات تاريخه
السلسلة(.)9 على مر العصور. الكبير ،وخلفه طائفة من مؤرخي
من سمات رحلات الحج الهندية فرحلات الحج الهندية من
المصطلحات الأدبية الرائجة الإغريق حفلت كتبهم بأخبار
في الأدب الأردي ،ويعبر عنها الأمم المجاورة ،ولعلهم «بلوتارك»
بالأردية بـ»سفرنامه حجاز» الذي عني بتاريخ اليونان والروم،
و»حج حجاز» ،ولغزارة الإنتاج في
هذا الفن الأدبي أصبحت رحلات ومنه استمد شكسبير كثي ًرا من
مسرحياته(.)6
***
الراصد لمجمل كتابات الرحالة
الهنود عن مكة المكرمة يلحظ
أنها تشكل مصد ًرا من المصادر
التاريخية ،ومادة علمية يمكن أن
تساعدنا على التعرف إلى كثير من
الجوانب في تاريخ مكة المكرمة،
وتأثيرها في مسلمي شبه القارة
الهندية ،على اعتبار أن هذه المنطقة
الجهوية من العالم تمثل نقطة