Page 24 - m
P. 24

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪22‬‬

                                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫السردي‪ ،‬وكل ما يتصل بمفهوم الزمن من مدى‬            ‫معتمدة بصفة كلية على طروحات هذه النصوص‬
  ‫وسعة واسترجاعات واستباقات وعلاقات الزمن‬                 ‫السردية الخالصة‪ ،‬ولذا جاءت معظم تقنيات‬
 ‫الخارجية والداخلية‪ .‬وإذا جاء لمفهوم الصيغة فإن‬
  ‫جنيت يوسع الرؤية حتى تشمل المنظور السردي‬          ‫التنظير تتصل بالفضاء الخاص بالمنظور القصصي‬
                                                        ‫والروائي‪ ،‬وتدور في فلك هذه الدراسات بعض‬
     ‫ليساوي المنظور الخطابي العام وكل ما يتصل‬
‫بحركة اللغة والسرد‪ ،‬وما يتصل بحركة المنظورات‬          ‫ما ُق ِّدم في النصوص التراثية والشعبية‪ ،‬ومقارنة‬
‫الخاصة بالراوي والمدى الذي يوجده‪ ،‬وهنا تتداخل‬         ‫ذلك بالنصوص الروائية‪ ،‬أما المنظور السردي في‬
‫علاقات اللغة الخاصة بالنحو‪ ،‬ووجهة النظر‪ ،‬وبؤر‬        ‫النص الشعري فلم يكتسب تأصي ًل كبي ًرا في هذه‬
‫السرد‪ ،‬والحكاية عن الآخر‪ ،‬والقصص المتضمنة في‬           ‫الدراسات‪ ،‬برغم أن منظور السرد القصصي في‬
                                                      ‫الأصل جاء من كنف المنظور السردي في الملاحم‬
   ‫الحكاية‪ ،‬وحكاية الأقوال الخاصة بمنظور الرواة‬        ‫الشعرية(‪ ،)2‬بل إن المنظور السردي للملحمة يعد‬
  ‫في النصوص‪ ،‬ويركز جنيت على المنظور السردي؛‬         ‫أص ًل من أصول بناء القصة في النقد القديم‪ ،‬وأبرز‬
‫والناتج عن حركة السارد ودرجة تواجده في النص‬         ‫العلماء الذين ق َّدموا مفاهيم سردية تمثل اتجا ًها هو‬
‫وتصنيف الرواة‪ ،‬وعلاقاتهم المتعددة والروابط التي‬     ‫جنيت وما يمثله من طرح بنيوي ما زال قائ ًما حتى‬
‫تربط بين كل را ٍو وآخر‪ ،‬سواء كان هذا الراوي من‬         ‫الآن في الدراسات النقدية‪ ،‬بالإضافة إلى آخرين‬
  ‫الرواة الموجودين في القصة‪ ،‬أو من خارج القصة‪.‬‬       ‫من أمثال جريماس‪ ،‬بارت‪ ،‬وشولز وسنعرض هنا‬
   ‫أما فيما يتصل بالصوت السردي‪ ،‬وتنظيماته في‬        ‫لأهم هذه الدراسات التى أسهمت فى تكوين ملامح‬

     ‫الحكاية‪ ،‬والمستويات السردية لكل ضمير فإن‬                  ‫نظرية عن السرد المعاصر كما سيأتي‪.‬‬
    ‫«جنيت” اعتمد على الأساليب السردية التقليدية‬
    ‫في تحليل مستويات الخطاب في النص السردي‬                 ‫‪ -1‬السرد والخطاب‬
                                                    ‫مفهوم جنيت في التحليل السردي(‪)3‬‬
       ‫‪-‬الروائي‪ -‬وبخاصة فيما يتصل بالأسلوب‬
   ‫المباشر‪ ،‬السرد «بالأنا»‪ ،‬وبالأسلوب غير المباشر‬    ‫يعد مفهوم «جيرار جنيت» في تحليل السرد أشمل‬
 ‫«بالهو» وتصنيفات البطل السارد ووظائفه‪ ،‬والتي‬         ‫وأعم المفاهيم التي قدمت رؤية تنظيرية تقوم على‬
   ‫يحصرها في ثلاث وظائف أساسية هي‪ :‬الوظيفة‬            ‫أساس الجمع بين عدد من التصورات السابقة في‬
    ‫السردية أو عملية السرد نفسها أو بتعبير آخر‬        ‫تحليل السرد‪ ،‬والتنظيرات التي تعد إنجا ًزا خا ًّصا‬
 ‫الخطاب المنوط بالسارد القيام به‪ ،‬والوظيفة الثانية‬     ‫لجنيت كما يقرر في مقدم كتابه‪ :‬خطاب الحكاية؛‬
‫هي الوظيفة الوصفية‪ ،‬وهي تخص النص السردي‪،‬‬            ‫وهو من الدراسات المهمة في التنظير السردي الذي‬

      ‫ويكون السارد في هذه الحالة واص ًفا ومنظ ًما‬                   ‫اعتمد عليه الكثير ممن جاء بعده‪.‬‬
  ‫لعملية التداخل بين السرد المحض وبين الوصف‬               ‫يقول جنيت منطل ًقا من التقسيم الذي اقترحه‬
  ‫والتداخلات الحادثة بين جوانب الحكاية المختلفة‪،‬‬    ‫تزفيتان تودروف في عام ‪“ :1966‬كان هذا التقسيم‬
                                                         ‫يصنف مسائل الحكاية إلى ثلاث مقولات هى‪:‬‬
       ‫والثالثة هي الوظيفية الانفعالية كما يسميها‬        ‫مقولة الزمن والتى يعبر فيها عن العلاقة بين‬
‫«ياكبسون» وفيها يقوم السارد بمشاركة ما يرويه‪،‬‬            ‫زمن القصة وزمن الخطاب‪ ،‬ومقولة الجهة‪ ،‬أو‬
                                                         ‫الكيفية التي يدرك بها السارد القصة‪ ،‬ومقولة‬
    ‫والعلاقات التي يصنعها ويؤثر فيها وتؤثر فيه‬         ‫الصيغة‪ ،‬أي نمط الحكاية الذي يستعمله السارد‪،‬‬
    ‫ويسميها «جنيت» بالوظيفة العاطفية‪ ،‬وتتضمن‬        ‫وأتبني دون أي تعديل المقولة الأولى بتعريفها الذي‬
   ‫الفكر والأخلاق‪ ،‬ويمكن تسميتها أيضا بالوظيفة‬        ‫ذكرته للتو”‪ .‬ويتدرج جنيت في منظوره حتى يلم‬
    ‫«الإيديولوجية»‪ ،‬كما يركز «جنيت» على الوضع‬       ‫بأطراف البناء السردي بداية من زمن الحكاية الذي‬
  ‫السردي الذي يصنعه السارد في المنظور الخاص‬            ‫يمثل أسا ًسا في المفارقات التي يصنعها الخطاب‬
    ‫به‪ ،‬وما يتوجه به للمسرود له واهتمامه بإقامة‬

                     ‫حوار حقيقي أو تخليل معه‪.‬‬
  ‫كما يوازن السارد بين الوصف كأداة خطابية في‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29