Page 28 - m
P. 28

‫العـدد ‪60‬‬                   ‫‪26‬‬

                                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫ويمكن من خلال هذا التسلسل رصد كل الأفعال‬               ‫الخطاب‪ ،‬يأتي «مفهوم إيكو» ليجعل من البنى‬
     ‫“الحدثية‪ -‬أو البدنية» داخل النظام في العمل‪،‬‬        ‫المختلفة أسا ًسا يتعرف منها على تصور الموقف‬
    ‫وبتوالي هذه الأفعال وربطها بالحدث الرئيسي‬        ‫السردي‪ ،‬كما نرى في تفصيله للبنى الإيديولوجية‪،‬‬
                                                    ‫وتأويل منطق العالم‪ ،‬سواء كانت تأويلات عميقة أم‬
  ‫في النص يمكن أن يتم تشكيل الرؤية العامة التي‬
     ‫يقدمها السارد من ناحية‪ ،‬والروية التي تطرح‬                                     ‫تأويلات بسيطة‪.‬‬
    ‫وجوده هو من خلال تحقق هذا الوجود بوجهة‬               ‫ويقدم كل اتجاه من الاتجاهات السابقة رؤيته‬
                                                        ‫للنص السردي من زاوية مختلفة‪ ،‬وكلها تمتاح‬
   ‫نظر سردية‪ ،‬أما في النص الشعري فإنه لا ينتج‬          ‫من الدراسات الكلاسيكية في السرد ومجهودات‬
     ‫في الأغلب سار ًدا مميز الملامح والشكل‪ ،‬محدد‬    ‫«بروب» والشكلانين الروس وغيرهم‪ ،‬كما أن تعدد‬
    ‫الوظيفة أو الصورة‪ ،‬ولكنه سارد يعبر عن ذات‬         ‫الرؤى المشكلة لدراسة النص السردي تعتبر ذات‬
     ‫تقوم بإنتاج فعل من خلال النص‪ ،‬وإن وجدت‬            ‫قيمة كبيرة في التعرف على منظورات العوالم فى‬

‫ذوات أخرى فإنها من صنعه‪ ،‬ومن تشكيله‪ ،‬وتحمل‬                                            ‫النص الأدبى‪.‬‬
   ‫ملامحه النفسية والفكرية‪ ،‬لذلك فإن المدى الذي‬
                                                    ‫العناصر المشكلة لبنية السرد‬
‫يتحقق للسارد في النص الشعري لا يمكن الحد منه‬
 ‫أو الوقوف على نهايته‪ ،‬وإنما السارد هنا يتصرف‬                                 ‫أولاً‪ :‬السارد‪ -‬الراوي‪:‬‬
                                                     ‫لا يتحقق وجود النص السردي إلا بوجود ضمير‬
      ‫بحرية تامة ولا يؤدي في النهاية إلا عد ًدا من‬  ‫يقوم بعملية السرد‪ ،‬وقد يكون هذا الضمير ضمي ًرا‬
                         ‫الوظائف المؤولة للدلالة‪.‬‬   ‫متحق ًقا‪ ،‬أو محتم ًل‪ ،‬أو قد يكون صو ًتا‪ ،‬أو شخ ًصا‪،‬‬
                                                     ‫أو راو ًيا لأنه يستحيل أن يتحقق وجود فعل ما إلا‬
      ‫وهو هنا يشبه ما يسمى في النص القصصي‬           ‫إذا تحقق وجود الفاعل‪ ،‬وبالتالي وجود ذات ينتسب‬
  ‫بالراوي العليم‪ ،‬والذي يقدم رؤية تفوق المستوى‬
‫الخاص بالعمل الروائي والشخصيات التي تتحاور‬                                     ‫إليها الملفوظ السردي‪.‬‬
  ‫فيه‪ ،‬وبالتالي فإنه يسيطر على رؤيتهم‪ ،‬ويحركهم‬         ‫وهذه الذات إما أن تمثل السارد الفعلي في النص‬
  ‫بحسب ما يريد‪ .‬فإما أن يكون الراوي خار ًجا عن‬          ‫«المؤلف» وإما أن تمثل وج ًها آخر من خلال ما‬
  ‫نطاق الحكي‪ ،‬أو يكون شخصية حكائية موجودة‬
‫داخل الحكي‪ ،‬فهو إ ًذا را ٍو ممثل داخل السرد‪ ،‬وهذا‬        ‫يقدمه السارد‪ ،‬وهذا له شرطان هما ما ذكره‬
 ‫التمثيل له مستويات‪ ،‬فإما أن يكون الراوي مجرد‬        ‫«شولز” وكوليج “في كتابهما” طبيعة السرد(‪)6‬‬
  ‫شاهد مكمل لمسار الحكي‪ ،‬ينتقل عبر الأزمنة‪ ،‬أو‬
                                                                        ‫‪.the nature of narrtative‬‬
                ‫يكون شخصية روائية في القصة‪.‬‬              ‫وبتحقق وجود السارد بصفته في النص‪ ،‬فإنه‬

                                                             ‫يقوم بعدد من الوظائف‪ ،‬سواء كانت هذه‬
                                                      ‫الوظائف تعمل داخل النص‪ ،‬أم كانت تعمل كناتج‬
                                                      ‫لعملية السرد أو مؤولة لها‪ ،‬وهذه الوظائف يمكن‬

                                                                                   ‫تحديدها كالتالي‪:‬‬
                                                          ‫‪ -1‬يعمل وجوده كحافز في عملية الحكى‪.‬‬
                                                        ‫‪ -2‬يعمل على خلق منظور حكائي في النص‪.‬‬
                                                         ‫‪ -3‬يعمل على خلق بنية سردية حية داخل‬

                                                                  ‫النص يمكن أن تتحقق من خلاله‪.‬‬
                                                           ‫وهذه الوظائف يمكن تلمسها بشكل جلى في‬
                                                        ‫النصوص الحكائية الخالصة (القصة والرواية)‬
                                                          ‫لأنها نصوص تتحقق بوجود تسلسل زمني‪،‬‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33