Page 26 - m
P. 26

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪24‬‬

                                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫التصورات قر ًبا في دراسة السرد الشعري‪ ،‬حيث‬           ‫في المنظور السردي‪ ،‬ويعطي بارت نماذج محددة‬
    ‫ينفي وجود السارد بمواصفاته النصية‪ ،‬ويبقي‬                                              ‫للوظائف‪.‬‬
    ‫وجوده كفاعل للسرد ‪-‬الفاعل الأساسى‪ ،-‬وفي‬
 ‫أحايين كثيرة يرتبط وجوده بذوات أخرى متقابلة‬           ‫أما التصور الآخر الأساس في نظرية بارت‪ ،‬فهو‬
 ‫ومتوازية‪ ،‬لأن الفعل في الملفوظ السردي في الشعر‬        ‫مستوى الأفعال ووضعها بالنسبة للشخصيات‪،‬‬
 ‫ينتمي لسارد واحد‪ ،‬وإن كنا نعتبر وجود أصوات‬
‫أخرى في السرد له قيمة‪ ،‬إلا أن تلك الأصوات تأتي‬           ‫ثم يفصل بين الفاعل للسرد‪ ،‬كتصور حقيقي‪،‬‬
                                                        ‫أو تصور ضمني‪ ،‬وبين الذوات الأخرى المحيلة‬
                               ‫على أشكال منها‪:‬‬       ‫عليه‪ ،‬والضمائر التي تمثلها‪ ،‬وذلك يقابل ما يسمي‬
        ‫‪ -1‬صورة للسارد الأصلي‪ -‬الذات الأولى‬           ‫عند تودروف بمنطق الأفعال‪ ،‬إذ يقرر في عدد من‬
                                                      ‫النتائج أن توالي الأفعال لا يبدو اعتباطيًّا في سرد‬
                                      ‫المتحققة‪.‬‬      ‫ما‪ ،‬وإنما يخضع لمنطق‪ ،‬فظهور مشروع يؤدي إلى‬
  ‫‪ -2‬صورة أخرى للسارد الأصلي‪ -‬ذات ممكنة‪.‬‬                ‫ظهور عائقة‪ ،‬والخطر يؤدي إلى مقاومة‪ ،‬وهكذا‬
                                                      ‫مكلستمق ًّشلردواعخليؤالدعيم إل‪،‬لىواللأكفنعا«لتوالدترىو تفم»ثليتعقانبلص ًرماع‬
   ‫‪ -3‬صوت مستقل تابع للسارد الأصلي‪ -‬ذات‬                ‫“جنيت” في وصفه للسرد بأنه خطاب‪ ،‬ثم يعتمد‬
                                      ‫متداخلة‪.‬‬       ‫على المقولات التي أخذها منه «جنيت» وربما بدا أن‬
                                                     ‫تصور «جنيت» جاء تطوي ًرا لمفهوم «تودروف»‪ ،‬إلا‬
        ‫يقول جريماس‪ :‬من الناحية السياقية تبدو‬        ‫أنه تبقى للدراسات القديمة عن السرد مهمة وضع‬
    ‫الترسيمة السردية في مجملها كمسار مضاعف‬             ‫القواعد والتصورات الأساسية لعلاقة السرد بما‬
   ‫للمرسل‪ ،‬يتضمن جزؤه المبدئي والنهائي المسار‬          ‫يتضمنه‪ ،‬ويفرق تودروف بين مفهومي العرض‬
   ‫السردي للذات‪ ،‬وهذه الخاصية لا تفيدنا بشيء‬           ‫«الأحداث» والحكي‪ ،‬والصور المختلفة التي يأتي‬
 ‫إذا لم نربطها بمميزات أخرى خلا ًفا للبعد التداولي‬
‫لمسار الذات‪ ،‬حيث الفعل الحدثي المرسل الذي يظهر‬             ‫عليها السارد‪ ،‬وقيمة كل تصور داخل العمل‬
    ‫داخله الفعل البدني‪ ،‬فإن مسار المرسل يقع على‬                                            ‫السردي‪.‬‬
  ‫البعد الإدراكي‪ ،‬وقامت كل الدراسات العربية عن‬
 ‫السرد بنقل الترسيمة السردية لجريماس والمكونة‬         ‫أما تطور مفهوم العامل فيأتي بشكل مفصل عند‬
   ‫من تصورات الملفوظ السردي‪ ،‬ونظرية التركيب‬         ‫جريماس في مقاله السيمائيات السردية‪ ،‬حيث يفرق‬
  ‫العاملي بصورة أساسية في التحليلات التي قاموا‬
                                                        ‫بين نوعين من الملفوظات السردية تحت مسمي‬
     ‫بدراستها في مجال الرواية والقصة والأفلام‪،‬‬                             ‫«البرنامج السردي» وهي‪:‬‬
 ‫وخلطوا في كثير من هذه الدراسات بين الاتجاهين‬                                 ‫‪ -1‬ملفوظات الحالة‪.‬‬
                                                                               ‫‪ -2‬ملفوظات الفعل‪.‬‬
   ‫السابقين في دراسة الرواية أي ًضا‪ ،‬ويمكن رصد‬
 ‫ذلك عند عدد من النقاد من أمثال سيزا قاسم‪ ،‬عبد‬         ‫وهنا يتم التمييز بين ذاتين‪ :‬الأولى‪ :‬ذات الحالة‪،‬‬
‫الملك مرتاض‪ ،‬سعيد يقطين‪ ،‬حميد لحمداني‪ ،‬صلاح‬              ‫والثانية‪ :‬ذات الفعل‪ .‬فذات الحالة هي ما يمكن‬

      ‫فضل‪ ،‬وقد أفادت الدراسات الحديثة من هذه‬         ‫تلمسها في الموضوعات التي تتصل بالقيم الخاصة‬
  ‫التحليلات إفادة كبيرة‪ ،‬حتى أن البحث في السرد‬           ‫في العمل‪ ،‬أما الثانية فهي الذات الفاعلة‪ ،‬والتي‬
  ‫الشعري قام أسا ًسا على رصد السرد القصصى‪،‬‬
                                                    ‫تقوم بعملية الاتصال‪ ،‬ومن ثم يمكن رصد عدد من‬
     ‫ولكن الصعوبات التي تواجه البحث في السرد‬                         ‫العوامل أو الفواعل داخل السرد‪:‬‬
              ‫الشعري تكمن في عدد من الأسباب‪:‬‬
                                                        ‫‪ -‬المرسل‪ -‬ذوات متوازية‪ -‬ذوات متداخلة‪-‬‬
 ‫أو ًل‪ :‬أن النص الشعري يختلف بصورة كبيرة عن‬                                          ‫ذوات مضادة‪.‬‬
‫النص القصصي حتى وإن اعتمد الأول على منظور‬
                                                       ‫وأحيا ًنا يساوي جريماس بين المرسل والسارد‪،‬‬
                                        ‫حكائي‪.‬‬             ‫حيث نجد أحيا ًنا أن ذات السارد منقسمة في‬
   ‫ثانيًا‪ :‬يأتي تصور السرد مواز ًيا للخطاب بشكل‬
   ‫عام في خطه دراسة السرد الشعري مع اختلاف‬          ‫الخطاب‪ ،‬وهذا التصور يصلح أو يمكن اعتباره أكثر‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31