Page 32 - m
P. 32

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪30‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫هذا المكان‪ ،‬وقد يرجع نمط الحركة في العمل إلى المحيط‬    ‫خا ًّصا بمدي زمني محدد في سياق الأحداث في النص‬
  ‫الداخلي للشخصية النصية‪ ،‬وفضائها الداخلي‪ ،‬وهو‬          ‫القصصي‪ ،‬وفي النص الشعري يكون غموضها أحد‬
     ‫الفضاء نفسه الذي ينتمي لعالم الشعور والفكر‪.‬‬           ‫الأسباب الداعية إلى التركيز عليها سواء كانت في‬
     ‫وتحتاج التقنيات الخاصة بالزمن إلى تحريك هذا‬                     ‫السياق الأصلي للنص‪ ،‬أم في خلفيته‪.‬‬
      ‫الفضاء‪ ،‬كالعرض والمحاكاة والإخبار والمسافة‬        ‫الثالث‪ :‬شخصيات عابرة‪ :‬وهذه الشخصيات تؤدي‬
                                                         ‫دو ًرا هامشيًّا محدو ًدا في السياق الحكائي‪ ،‬ويرتكز‬
‫والاسترجاع‪ ،‬وهذا إعادة لتركيب النص وفق منظوره‬              ‫حول الموقف المذكورة فيه‪ ،‬وقد يكون لها وظيفة‬
                                        ‫الخاص‪.‬‬           ‫ما بعد ذلك يمكن استدعاؤها عند الحاجة إليه‪ ،‬وقد‬

    ‫ويتضح هذا المنظور في النصوص التى تعتمد على‬         ‫تحدد في النص الشعري مسار الحركة النصية‪ ،‬ولكن‬
 ‫تلك الإمكانيات‪ ،‬حتى تكتسب دلالات خاصة تؤثر في‬         ‫ذلك يكون ناد ًرا‪ ،‬ويبقي لها وجودها النوعي الخاص‬

   ‫تحويل الفعل أو الحدث‪ ،‬وقد تكون إمكانية الفضاء‬                       ‫بتطور الحدث التابع لفعل السارد‪.‬‬
 ‫هي الأساس في رؤية النص‪ ،‬وبالأخص في النصوص‬                                    ‫راب ًعا‪ :‬الفضاء في السرد‪:‬‬
‫الشعرية‪ ،‬حيث يعمل المشهد على جذب معطيات المكان‪،‬‬
 ‫والمفردات الخاصة بالحركة‪ ،‬ورؤية السارد الحسية‪،‬‬         ‫يتخذ الفضاء في السرد عد ًدا من الأشكال التى يمكن‬
                                                            ‫أن تتحقق بطريقة ما من خلال سياق الفعل‪ ،‬أو‬
       ‫ثم تأتي الرؤية المجازية لتواكب حركة المكان‪.‬‬
 ‫يقرر «جنيت» (فى خطاب الحكاية) وما دامت الحكاية‬           ‫الحدث‪ ،‬أو من خلال حركة الراوي والشخصيات‬
  ‫المكتوبة حادثة ككل شيء آخر في الزمن فإنها توجد‬         ‫النصية العاملة فيه وهذه الأشكال يلخصها «حميد‬

    ‫في الفضاء‪ ،‬وبصفتها فضاء‪ ،‬ويكون الزمن اللازم‬                                    ‫الحمداني» كالتالي(‪:)8‬‬
 ‫لاستهلاكها هو ألزم اللازم لعبورها أو اجتيازها‪ ،‬إن‬         ‫‪ -1‬الفضاء الجغرافي‪ :‬وهو مقابل لمفهوم المكان‬
  ‫النص السردي ككل نص ليست له زمانية غير التى‬               ‫ويتولد عن طريقة الحكي ذاته‪ ،‬فهو الفضاء الذي‬
                                                        ‫يتحرك فيه الأبطال‪ ،‬أو يفترض أنهم يتحركون فيه‪.‬‬
              ‫يستعيرها كنائيًّا من قراءاته الخاصة‪.‬‬      ‫‪ -2‬فضاء النص‪ :‬وهو فضاء مكاني أي ًضا‪ ،‬غير أنه‬
  ‫ويأتي تصور الفضاء في رأيي على عدد من الأشكال‬
                                                                               ‫يتعلق بمكان الكتابة فقط‪.‬‬
                                        ‫كالتالي‪:‬‬        ‫‪ -3‬الفضاء الدلالي‪ :‬ويرتبط بالمجاز الذي تخلقه لغة‬
‫أو ًل‪ :‬التصور الكلي للفضاء المكاني‪ :‬وفيه يقوم السارد‬
                                                                           ‫الحكي والصورة المتولدة عنه‪.‬‬
    ‫برصد حركة المكان بصفة كلية يدرك معها الفعل‬               ‫‪ -4‬الفضاء كمنظور‪ :‬ويشير إلى الطريقة التى‬
                  ‫والإشارات الخاصة به في العمل‪.‬‬            ‫يستطيع الراوي أن يهيمن بها على عالمه الحكائي‬

 ‫ثان ًيا‪ :‬التصور التفصيلي للفضاء المكاني‪ :‬وفيه يركز‬                                        ‫الخاص به‪.‬‬
 ‫السارد على المفردات الخاصة برؤية المكان وما تمثله‬      ‫وهذه الرؤى الخاصة بالفضاء شاعت في الدراسات‬
                                                        ‫الغربية‪ ،‬وبالأخص عند «جنيت»‪ ،‬ولكن الفضاء الذي‬
      ‫كل مفردة على حدة‪ ،‬وما يمكن أن تعطيه إذا تم‬        ‫يمكن ضبطه في النص السردي ينحصر بين قطبين‪.‬‬
               ‫استدعاؤها في مدى ما لحركة النص‪.‬‬
                                                                           ‫الأول‪ :‬الفضاء بمفهوم المكان‪.‬‬
 ‫ثال ًثا‪ :‬التصور الخاص بالمجاز السردي‪ :‬وفيه يعتمد‬        ‫الثاني‪ :‬الفضاء بمفهوم المجاز‪ ،‬أو الصورة المتولدة‬
    ‫السارد على منظوره الخاص متضاف ًرا مع منظور‬
                                                                                     ‫عن حركة الراوي‪.‬‬
  ‫المكان‪ ،‬ومنظور الصور الشعرية التى يمكن رصدها‬           ‫وكلا القطبين يخضعان لنظام واتساق خاصين في‬
‫بلاغيًّا‪ ،‬وتعمل هذه المنظورات مجتمعة على وضع حيز‬          ‫إطار الاتصال والانفصال والحركة والعلائق التى‬
 ‫بصري نفسي يتضافر مع الحيز الذي تصنعه اللغة‪،‬‬
                                                                   ‫تربط بين الأوجه المختلفة لهذه الحركة‪.‬‬
   ‫والسارد يعمل على وضع هذا الحيز بالطريقة التى‬       ‫وقد ترجع حركة المكان إلى فاعلية الحدث أو الفعل إذا‬
                            ‫يراها ملائمة لحركته‪.‬‬      ‫كان المكان يمثل رؤية إنسانية أو تراثية خاصة‪ ،‬يمكن‬
                                                      ‫أن تسهم بدور ما في تحريك الانفعالات الخاصة بروح‬
         ‫وفي النص الشعري يمكن ‪-‬في عدد قليل من‬
       ‫النصوص‪ -‬إدراك هذا التصور‪ ،‬وبالأخص في‬
 ‫النصوص التى تعتمد على الحكاية في بنائها‪ ،‬وبالتالي‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37