Page 37 - m
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
المجموعة عن موقف وجودي خاص به ،فكان وأبرزها :بعض روايات «السيرة الذاتية» التي
من الحتمي -بالنسبة له -أن يعكس نفس الموقف يكتبها أصحابها بأنفسهم التي يطلق عليها
الفكري الحياتي على سارده المفضل في السرد ،Autobiographyأو «المذكرات» (إن اعتبرناها
القصصي. نو ًعا أدبيًّا) ،خاصة ما يسمى منها بـ»أدب
بين (الرؤية) و(التشكيل) الاعتراف» ،Confession Literatureهذا علاوة
على بعض المقاطع في الروايات الحديثة؛ التي يتقاطع
هكذا رأى دياب العالم ..وهكذا صاغه وشكله مع فيها صوت المؤلف مع صوت الراوي ،باعتبار ذلك
«سارده»
«تقنية سردية».
رأى عبد العزيز دياب العالم مواجهة جدلية بين وبما أننا نتكلم هنا عن مجموعة «قصص قصيرة»،
مجموعتين من النقائض الجوهرية:
فالفرضية الأولى أن ال ُس َّراد في هذه المجموعة
المجموعة الأولى :الفيزيقي ،الواقعي ،المعقول، يتعددون بتعدد القصص ،حيث لكل قصة إيقاعها
الواعي.
الفكري و ُّجوها النفسي وانطباعها الذي تتركه
المجموعة الثانية :الميتافيزيقي ،الوهمي، في ذاكرة المتلقي وأسلوبها الملائم في العرض ،مع
اللامعقول ،اللاواعي .واستخدم في تشكيل الثانية:
العبثي ،السيريالي ،الفانتازي ،السحري ،العجائبي. مراعاة الطابع العام للمجموعة.
وهكذا جاء عالم المجموعة لينشئ عالمًا مواز ًيا أشد لكننا عندما ننتهي من قراءة المجموعة يداخلنا ثمة
رحمة من ذلك الواقع المهترئ الذي تحكمه النفعية حدس )3(Intuitionأن السارد فيها (واحد) ،سارد
والأطماع والحروب والمجاعات والتجارب النووية
ظاهر يعلن عن نفسه وعن رؤيته دائ ًما بجرأة
والكذب و ..و.. ووقاحة (ضمير المتكلم)!
وربما يكون قد لخص هذه الرؤية في قصة
وهذا ما نجده في إحدى وعشرين قصة تقريبًا
(محاولة اتزان): «قصتي تحولت إلى ضفدع ..أنا الوحيد الذي
«لإعادة اتزاني أمام جبروت هذا العالم كنت كل كنت أعرف ..كأنني وأنا أنطق بها ..أنا جسر
ليلة أستخلص لنفسي بعض الوقت أتأمل خلاله خشبي ..أنا الرابع هذا اسمي ..يبدو أنني إلى
الآن لم أقل»( .)4وحتى في الحالات القليلة التي كان
اللوحة.. السارد فيها خف ًيا( ،)5نشعر أي ًضا أنه سارد واحد،
كنت أود أن أخبره أن الحرب كانت قائمة في
وأنه هو نفسه الذي تكلم في بقية القصص.
الخلاء البعيد.. عمو ًما فهناك نماذج كثيرة للسرد القصصي
أُخبره أن الساسة اتفقوا على خراب هذا العالم.. والروائي التي يتطابق فيها المؤلف مع السارد،
ومن أبرز أمثلته رواية (الصرصار) لـ»فيودور
أن «سعاد» جارتي الشريرة ذهبت لإجراء ديستويفسكي» الصادرة عام ،1864واعتبرت أول
مقابلة مع «هتلر»..
رواية «وجودية».
أن القطارات لم تعد اليوم بحاجة إلى القضبان.. ويمكن تأويل ظاهرة التطابق بين المؤلف والسارد
أن الحقيقة صار لها ألف وجه» (محاولة اتزان،
في مجموعة (شفرة اختطاف بطوط) بناء على
ص.)91 -89 تحليل المضامين والأشكال والبنى والتقنيات..
وعند (التشكيل) استخدم دياب وسارده مجموعة فالمجموعة تعكس نو ًعا من الكتابة الخاصة التي
من التقنيات والبنى التي تتجانس بشكل كبير مع تخرج عن السرد التقليدي ،بل وعن أشكال أخرى
متقدمة من الكتابة السردية؛ كتابة تحمل رؤية
الرؤية العبثية ،وأبرزها: فلسفية خاصة تتمرد على واقع الحياة ،وبالمثل على
-تجليات مذهب العبث :الإيهام ،كسر الإيهام، واقع الفن ،وأقصد بها تيار العبث .Absurdism
ومن ثم فقد صدر عبد العزيز دياب في هذه
التقمص.
-الواقعية السحرية وبنية العجائبي والغرائبي.